الاشتراكيون الاسبان والبحث عن السلطة الضائعة

 

نجح، بيدرو سانشيث، الامين العام الجديد للحزب الاشتراكي العمالي، في ترجيح كفة الراي العام الاسباني لصالح حزبه ساعدته المصاعب العديدة  التي  يواجهها  ويتخبط فيها الحزب الشعبي الحاكم.
ويعتبر التحسن المسجل في صورة الاشتراكيين، وفق استطلاعات أخيرة للرأي، يعتبر اهم انجاز ملموس حققه الامين العام ولما لم  تمر على انتخابه إلا حوالي ثلاثة اشهر، منذ يوليو الماضي، بينما اشارت التوقعات في حينها على اثر هزيمة الاشتراكيين في الانتخابات التشريعية  ثم الاوروبية الاخيرة، ان لعنة  النكسات  ستلاحق الحزب الى  امد بعيد، على اعتبار ان الشعب الاسباني يحمل الحكومة الاشتراكية السابقة مسؤولية الازمة المالية غير المسبوقة في تاريخ الاقتصاد الاسباني الحديث، رغم انها، برأي محللين وخبراء، متوارثة  ومرحلة عن حكومات سالفة  من اليمين واليسار، لكن اللوم الشديد مع ذلك ظل مسلطا على حكومة،  رودريغيث  ثباطيرو، التي  قللت من خطورة الازمة  وسكتت عنها  اكثر من اللازم الى ان حدث  الانهيار.
وتقف وراء  التحسن النسبي  في  سمعة وشعبية  الاشتراكيين، عدة عوامل في طليعتها طبيعة القيادة الجديدة التي آل اليها تدبير امور الحزب، فقد فوض المؤتمر العام الاخير، للامين العام المنتخب،  اختيار معاونيه الاقربين، من سيتحملون المسؤولية  الى جانبه ويحاسبون عليها.
ويعتبر، سانشيث، صاعدا جديدا إلى قمة هرم التنظيم  الحزبي، بل شكل انتخابه مفاجأة سارة  للتيار المجدد  في قواعد  الاشتراكيين، ذلك ان  سجله  النضالي  والشخصي، خال من الشوائب  وسلبيات التدبير في الفترات السابقة.
ولوحظ ان، سانشيث، وهو استاذ جامعي للاقتصاد،  ونائب في البرلمان، زار اثناء حملته الانتخابية، اغلب المناطق الاسبانية، بمدنها ومراكزها  وحيثما للحزب وجود واتباع، واستمع الى النقد والمؤاخذات  واللوم على فشل الاشتراكيين في الوفاء بوعودهم وتحقيقها، فتكونت  لديه  صورة واضحة عن مطالب القواعد وتظلماتها وانتظاراتها،  واستوعب كيف يمكن ان  يستعيد الاشتراكيون، وهجهم  كأكبر تجمع لليسار في اسبانيا الحديثة.
واذا كان من الصعب استعادة امجاد الماضي  بوهجه النضالي  وانتصاراته، فان القيادة   الحالية المسيرة للحزب، استطاعت  على الاقل وقف التراجع   في المنحنى التنازلي  نحو القاع وصار الناس يجاهرون  بتوجيه النقد  لليمين المحافظ  لانه اخل هوالاخر  بوعوده الانتخابية ؛ يعبرون عن حنين الى عهود  الاشتراكيين  المشرقة وخاصة وسط الطبقة الوسطى والفئات محدودة الدخل المتضررة اكثر من غيرها من حالة  الانكماش الاقتصادي.
وحينما  تعم الازمة وتصبح عميقة الجذور والاقتصاد  لا يتعافى بسهولة، فلا يجدي  التصعيد اللفظي والمزايدات العقيمة بين الاحزاب السياسية  وخاصة تلك التي تقاسمت مسؤولية تدبير  الشأن العام.
ويحس الاشتراكيون في المعارضة والمحافظون  في الحكم، انه لم يعد بمقدورهم منفردين التصدي للازمات المتلاحقة  ولذلك خفف  الطرفان الى حد ما، اسلوب التراشق المتبادل  بينهما، واستبدلاه  بالبحث الهادئ عن حلول توافقية للمعضلات الكبرى مثل انفصال كاتالونيا  كما قبلا بمبدأ تشكيل جبهة مشتركة في حكومة مدريد المستقلة، لمواجهة جائحة (فيروس ايبولا ).
وقف  الاشتراكيون بقوة ضد المنزع الانفصالي  في كاتالونيا، واقترحوا بمباركة من زعيمهم  التاريخي، فيليبي غونثالث،  اجراء تعديل في الدستور، يؤسس لنظام فيدرالي  متفق عليه  بين المكونات السياسية والترابية والاثنية في اسبانيا.  مقترح يوجد له بعض المؤيدين  حتى في الحزب الشعبي نفسه وبين اطياف حزبية اخرى، على الصعيدين الوطني والاقليمي.
وبالعودة الى النهج السياسي والمسلكي  للاشتراكيين الاسبان، فقد  سجل مراقبون انه  صار معتمدا  على مبدأ “التخليق” ايمانا منهم  ان الايديولوجيات الطوباوية فقدت بريقها مع الزمن، دون ان تنتهي  بالكامل بل اصبحت مجسمة في قيم الاخلاق والعدالة الاجتماعية والسعي الى القرب  من الناس،عبر الاستماع  الى شكواهم دون التعالي عليهم.
وفي هذا السياق، يمثل امين عام الاشتراكيين الاسبان،  حتى الآن، نموذج الاستقامة الاخلاقية والشفافية المالية، فقد  الزم نفسه واعضاء قيادة  الحزب، بتقديم جرد  دقيق عن ممتلكاتهم ومداخيلهم، ووضعها رهن اشارة   الراي العام لمن اراد الاطلاع  عليها والتأكد  منها ومن مطابقتها  مع ما هو مسجل ومصرح به  لدى مصلحة الضرائب، وهذه يمكنها الطعن في الكشوف ان لم تكن صحيحة.
وبالفعل امتثلت  القيادة للأمر وصرح اعضاؤها  بما يملكون  من عقار وارصدة في البنوك او اسهم في الشركات وودائع مدخرة، الى جانب بيانات عن ما يرد عليهم من ارباح وفوائد.
وتبين من الكشوف المنشورة  في الصحف وموقع الحزب  الالكتروني، ان ثروة جل اعضاء  القيادة الاشتراكية  جد  معقولة بل عادية في مجملها، لا تتعدى مداخيل اطار رفيع  من الطبقة الوسطى. كلهم  يكدون ويتعبون بغاية الرفع من  مداخيلهم  كما انهم ملتزمون بدفع قسط  من ثروتهم الى  مالية الحزب.
وإمعانا في التخليق، طلب الزعيم الاشتراكي، ان لا يتقاضى المسؤولون الحزبيون،  تعويضا عن اتعابهم اذا ما دعوا للمشاركة  باسم الحزب، في نقاش سياسي  في وسائل الاعلام.
لم تخلف القيود الاخلاقية  المفروضة على المناضلين، ردود فعل سلبية لدى الاشتراكيين  بل امتدحوها  باستثناء  الامتعاض  الذي صدر عن  ممثلي  الحزب في مجلسي النواب والشيوخ  الذين طلب منهم عدم الجمع بين الوظائف وان يتفرغوا بالكامل لمسؤولية تمثيل المواطنين الذين صوتوا عليهم في الدوائر الانتخابية وبات عليهم واجب زيارتها  وتفقد احوال الناخبين فيها.
غير ان أجرأ ما صدر عن، سانشيث، وصدم  قطاعات في الطبقة السياسية،فهو  مطالبته بإقامة جنائز دولة   لضحايا  العنف الذكوري من النساء، وان يعتبرن بمثابة  شهيدات  الدفاع عن الوطن، مدنيين وعسكريين.
وسرى  انطباع  بين الناس، مفاده انه سيتعذر  على القيادة الاشتراكية الوفاء  بالسير على  هذا النهج الاخلاقي الشديد الطهرانية، ما لم  تنكب على اعداد البرامج الكفيلة بتنمية الاقتصاد ومحاربة البطالة وبلورة اجراءات عملية لتحسين مستوى عيش الاسبان وبموازاة ذلك  يلزم  اعداد  خطة استراتيجية  لاستمالة الناخبين في افق البحث عن  السلطة الضائعة.

اقرأ أيضا

بمشاركة المغرب.. مجلس وزراء الأمن السيبراني العرب يعقد اجتماعه بالرياض

شاركت المديرية العامة لأمن نظم المعلومات التابعة لإدارة الدفاع الوطني، اليوم الإثنين بالرياض، في أشغال …

مزور يعرض حصيلة دعم مشاريع الشباب وتنمية روح المقاولات

أعلن رياض مزور وزير الصناعة والتجارة، إطلاق مشاريع تهدف إلى تعزيز الإدماج الاقتصادي للشباب. وأبرز …

المغرب يكرس ريادته الأفريقية بمبادرات غير تقليدية.. هل يفهم جنرالات الشرق الدرس؟!

ثمانية أعوام مرت على استعادة المغرب لمقعده في الاتحاد الأفريقي، قام خلالها بتعويض غيابه عن المنظمة القارية الذي دام ثلاثة وثلاثين عاما، وهدم ما بناه جنرالات الجزائر خلالها من تحالفات معاندة للوحدة الترابية المغربية

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *