لا نمل من التأكيد على أن تنظيم المغرب للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان بمراكش بقدر ما يتيح من الفرص، بقدر ما هو محفوف أيضا بالمخاطر، وأن الإمكانية موجودة لتحصيل هذه الفرص الناردة، كما هي أيضا متوفرة للجواب عن كافة التحديات التي يمكن أن تصاحب عقد هذه المؤتمرات الضخمة، وأن شرط توفر هذه الإمكانية لا يمكن أن يتحقق إلا بإعمال المقاربة التشاركية، التي تضمن الحضور الواعي للمكونات الحقوقية الوطنية، وتحفز الجاهزية لمواجهة المخاطر الممكنة.
في مقال سابق نبهنا إلى مخاطر تغييب المقاربة التشاركية وأثر ذلك في إضعاف القدرة على تعبئة النسيج الحقوقي لمواجهة بعض الأجندات التي يراهن عليها خصوم الوحدة الترابية، واليوم، وبعد أن برزت بوضوح هذه التحديات من خلال حجم الجمعيات الحقوقية التي عبرت عن رغبتها في المشاركة في هذا المنتدى، وبعد أن تحركت اللوبيات المعاكسة لمصالح المغرب لتحويل هذا المنتدى إلى خسارة حقوقية للمغرب، بدأت تظهر إرهاصات الإشراك من خلال دعوة عدد من الجمعيات الحقوقية إلى لقاء يتوقع أن ينعقد اليوم.
ومع أن هذا اللقاء جاء متأخرا عن المنتظر، إلا أن الوقت لم يستنفذ بعد لاستدراك الموقف وسد الثغرات وتعبئة النسيج الحقوقي الوطني ليكون في مستوى استثمار الفرص التي يوفرها هذا المنتدى إذا كان القصد بالفعل هو توفير الشروط اللازمة لتحقيق الأهداف الوطنية من هذا المنتدى. هناك في العادة ثلاث مقاربات في الإشراك كل واحدة منها لها منطلقاتها وغاياتها وكلفتها أيضا: – مقاربة الإلحاق: ويقصد بها دعوة المكونات الحقوقية إلى دعم الرؤية التي تم هندستها من غير تشاور معها. – مقاربة التأثيث: ويقصد بها إحضار المكونات الحقوقية والجمعوية المعنية بالمنتدى في بعض الحلقات التي لا تؤثر على جوهر الرؤية وتفاصيلها، حتى يزال الحرج بهذا المستوى المحدود من الإشراك. – مقاربة الإشراك الفعلي: ويقصد بها وضع المكونات الحقوقية في الصورة الحقيقية للمنتدى، والأهداف التي يرجى تحقيقها من خلاله، وفتح الحوار حول أفضل السبل لاستثمار فرصه ومواجهة مخاطره، مع ما يقضي ذلك من المساهمة في المواد الرئيسة لبرنامج المنتدى. في الشهور القليلة الماضية، لم نر أي مستوى من مستويات الإشراك الثلاثة الماضية، ولم يعلم بالتحديد ما الذي يريده المغرب من هذا المنتدى، وهل سيدعم فكرة خلق قطب حقوقي جنوب جنوب يقطع مع مرحلة هيمنة المركزية الأوربية على مجال حقوق الإنسان، أم سيتجه إلى خلق نوع من الالتقاء بين حقوق الإنسان كما ترتسم في أولويات دول الجنوب، وحقوق الإنسان في النموذج المعياري والعملي الأوربي؟ بل لم يظهر إلى الآن أي جواب عن شكل التعاطي الذي سيعتمده المغرب في مواجهة التحديات والمخاطر التي يطرحها هذا المنتدى، لاسيما وأن الجمعيات الحقوقية المناوئة للمصالح الحيوية للمغرب قد توظف بشكل خطير الجمعيات التي تشتغل على موضوع الحقوق الجنسية المثلية لضرب سمعة المغرب وتشويه الصفة الإسلامية للدولة. لا ندري على وجه الدقة ما هي المتغيرات التي دفعت إلى الانعطافة المتأخرة إلى مقاربة الإشراك، وهل يتعلق الأمر بحجم الانتقادات التي تعرضت لها المندوبية السامية لحقوق الإنسان والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، أم يتعلق الأمر بحجم التحديات المتعاظمة التي تطرحها مشاركة الوفود الأجنبية في هذا المؤتمر الضخم، لكن، السؤال اليوم عن الدوافع والمتغيرات ليس مهما، وإنما المهم أكثر هو سؤال نوع الإشراك الذي سيتم اعتماده في هذا الزمن المتأخر، والتحديات المرتبطة به، وأثرذلك على صورة المنتدى. فالإشراك بمستويه الإلحاقي أو التأثيثي لن يكون مجديا ولن يضيف أي قيمة للمنتدى وسيظهر النسيج الحقوقي كما ولو كان شتاتا لا تجمعه جامعة من المصالح الوطنية التي يبتغي المنتدى تحقيقها، كما أن كلفته ستكون جد سلبية لاسيما إن قررت الجمعيات المدعوة للحوار مقاطعة المنتدى، إذ سيكون لذلك أثر سيء على سمعة هذا المنتدى وصورة المغرب الحقوقية. ولذلك، فالتقدير، ونعيدها مرة ثانية، أن تقع الانعطافة إلى المقاربة التشاركية الفعلية، بتعزيز حضور المكونات الحقوقية الوطنية في صلب البرنامج وإشراكها في الآليات التنظيمية، وفتح الحوار حول الطرق الكفيلة لمواجهة التحديات التي يمكن أن تبعثر الفرص المنتظرة من هذا المنتدى.
إن أكبر فشل يمكن أن يتعرض له المنتدى العالمي لحقوق الإنسان في مراكش، هو أن تعجز الجهة المنظمة عن إيجاد القنوات السلسة التي يمكن أن تصرف بها التحديات المتوقعة، وأن تفقد النسيج الوطني المعبأ لإفشال المناورات التي يجتهد خصوم المغرب في بلورتها، فهذا الفشل لن يسد مسده سوى المقاربة الأمنية، التي تسعى كثير من الجهات المناوئة أن تتدخل في فعاليات المنتدى حتى تحول المكاسب المنتظرة من المنتدى إلى خسارة كبيرة وتشويه لصورة المغرب الحقوقية. اليوم، ربما تكون آخر فرصة لاستدارك الأعطاب التي ارتكبتها الهيئة المنظمة، وذلك حين ظنت أن الاستفراد الأحادي بتنظيم المنتدى يمكن أن تتحقق من وراءه الأهداف الوطنية.
“التجديد” المغربية