إثر إقدام ما يُسمّى “جندُ الخلافة” على قطع رأس السائح الفرنسي الأعزل، انتاب الجزائريين الخوفُ من إمكانية أن تعشعش “داعش” في الجزائر فتعود مجدداً إلى سنوات الدم والجمر التي يريدون توديعها إلى غير رجعة.
في تلك الفترة القاتمة في تاريخ البلد، دفع الجزائريون ثمناً باهظاً جدا: نحو 150 ألف قتيل ومئات الآلاف من اليتامى والأرامل والثكالى والمصدومين وخسائر مادية بعشرات المليارات من الدولارات…
لقد نجت البلاد بأعجوبة من الانهيار والصوْملة، وضمّد الشعبُ جراحه، وعقد العزم، وهذا حقه، على طيّ تلك الصفحة السوداء، وسدِّ الباب أمام كل مسببات إيقاظ الفتنة، وبلغ بالمواطنين التوجسُ والحذر إلى درجة رفض المشاركة في المظاهرات السلمية التي كان يدعو إليها بعض السياسيين في عام 2011 للمطالبة بإسقاط النظام، حيث لم يكن عدد المشاركين، كل يوم سبت، يتعدّى العشرات، وكان ذلك رسالة قوية وواضحة من الشعب تؤكد أنه لا يريد فتح أيّ مدخل للفتنة والفوضى وهو الذي لم يخرج من أزمته إلا بشقِّ النفس، وأنه يفضل التحلي بفضيلة الصبر وتحيّن فرصة التغيير الديمقراطي السلمي والهادئ، ولو جاءت بعد سنوات عديدة…
”داعش” تنتهج أسلوب الصدمة والترويع ولا تتردد في قطع الرؤوس لترهيب أعدائها، وزرع الرعب في قلوبهم بهدف تحقيق المزيد من الانتصارات في المعارك، والجزائريون ذاقوا ويلات هذا الأسلوب الدموي على يد “الجيا” في التسعينات، حيث بلغت القلوب الحناجر بعد أن تفشّت الحواجز الوهمية ومداهمة البيوت ليلاً وذبحت “الجيا” الكثير من الناس وعلّقت رؤوسهم على أعمدة الكهرباء والهاتف، ومنهم جنود كانوا يزورون أهاليهم في عطل قصيرة، وكان هدف “الجيا” هو دفع الشبان إلى التمرّد على الخدمة العسكرية وبالتالي إضعاف الجيش أكثر، لكن تلك الجرائم الوحشية أدت إلى نتيجة معاكسة تماماً؛ حيث انفضّت الحاضنة الشعبية لـ”الجبهة الإسلامية للإنقاذ” المُحلّة عن “الجيا” وخرج الجزائريون في مظاهرات حاشدة للتنديد بجرائمها، كما انخرط مئاتُ الآلاف من الشبان في فرق “الدفاع الذاتي” و”الحرس البلدي” وساهم كل ذلك في نهاية “الجيا”. وقد حاولت “الجماعة السلفية للدعوة والقتال” التي خلفتها ثم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” استدراك الأمر وإحداث القطيعة مع أساليب “الجيا” الدموية لعلها تستميل إليها المواطنين، لكن من دون جدوى، وبقيت منبوذة شعبياً إلى حدّ الساعة، ولذا لن يكون حظ “داعش” أفضل منها، وستلقى صدوداً ونفوراً شعبياً قويا في الجزائر أكثر من أيّ بلدٍ آخر، ولن تجد فيها حاضنة شعبية على غرار ما وجدته في المناطق السنية بالعراق وسوريا.
قد يتمكن بعض عناصر “داعش” من التسلُّل عبر حدودنا الشاسعة مع مالي وليبيا، وقد يستطيع فرعُها بالجزائر تجنيد بعض الشبان المتحمسين لإيديولوجيتها ومنهجها، ولكنها قطعاً لن تجد الترحيب لدى جلّ الجزائريين الذين لا يزالون يعيشون تحت صدمة عشرية الدم والرعب، وهم غير مستعدّين لتكرار التجربة المأساوية. لقد ودّع الشعبُ سنوات الرعب وقطع الرؤوس، وكانت العشرية الحمراء بمثابة اللقاح الذي أكسبه حصانة صحية ضد أيّ تدهور جديد للأوضاع تحت أيّ مسمى، وهو لا يريد الآن إلاّ التغيير الديمقراطي الهادئ والسلس للحكم، بعيداً عن الفتن والصراعات المسلحة، وكذا تحقيق العدالة الاجتماعية ورفع الظلم والغبن والتهميش عن الناس، وتمكينهم من حقهم في العيش الكريم. ربِّ اجعل هذا بلداً آمناً.
*صحافي جزائري/”الشروق” الجزائرية
اقرأ أيضا
مكسيكو.. مشاركة مغربية في مؤتمر دولي حول حماية البيئة
شارك الأمين العام لحزب الخضر المغربي ورئيس أحزاب الخضر الأفارقة، محمد فارس، مؤخرا بمكسيكو، في مؤتمر دولي حول حماية البيئة.
أليس لجنرالات حكم الجزائر من يُصحِّيهم
إنه إعصارٌ اندلع هُبوبًا على الرُّقعة العربية من هذا العالم، له جذورٌ في “اتفاقيات سايكس بيكو”، ولكنه اشتدَّ مع بداية عشرينات هذا القرن وازداد حدة في غزة، ضد القضية الفلسطينية بتاريخها وجغرافيتها، إلى أن حلَّت عيْنُ الإعصار على سوريا، لتدمير كل مُقوِّمات كيانها. وهو ما تُمارسُه إسرائيل علانية وبكثافة، وسبْق إصرار، نسْفًا للأدوات السيادية العسكرية السورية.
سوريا.. تعيينات بالحكومة الجديدة ورسم معالم المؤسسة العسكرية
تواصل إدارة الشؤون السياسية في سوريا، العمل على ترتيب البيت الداخلي للبلاد بعد سقوط بشار الأسد.