حیرة الفلسطینیین في أھدافھم ووسائل كفاحھم..

الفلسطينيون ربما هم الوحيدون في العالم الذين يتفقون في ما بينهم، رغم اختلافاتهم، على تعريف عدوهم، باعتبارهم إسرائيل دولة استعمارية واستيطانية وعنصرية ومصطنعة وغير شرعية، لكن مشكلتهم، مع كل ذلك، انهم يختلفون على تعريف اهدافهم، أو ما يتصورون أنه مستقبلهم، كما يشمل ذلك تعريفهم طريقهم، أو وسائلهم الكفاحية، لاستعادة حقوقهم.
هكذا، ثمة من لا يقبل بأقل من تحرير فلسطين، واقتلاع اليهود الصهاينة، سواء اعتبر ذلك هدفاً لا محيد عنه لتأكيد الوطنية الفلسطينية، أو اعتبره طريقاً لاستعادة الماضي التليد، باعتبار أن الوطنيات القُطرية مجرد اختراع استعماري. وبديهي أن أصحاب هذه الرؤية منقسمون على ذاتهم، تبعاً للخلفية الأيديولوجية، بين دعاة الانضواء في إطار مشروع الدولة العربية الواحدة، ودعاة مشروع الدولة الإسلامية الواحدة.
أيضاً، ثمة من يريد إقامة دولة فلسطينية في الضفة وقطاع غزة، لاقتناعه بأن الظروف والمعطيات لا تسمح بأكثر من ذلك، بيد أن هؤلاء منقسمون، أيضاً، على انفسهم، بين مَنْ يريد ذلك كمحطة، أو كهدف مرحلي، ومَنْ يريده كحل نهائي. اًخيراً، ثمة الطرح المتعلق بإقامة دولة واحدة ديموقراطية، وهنا، أيضاً، ثمة اختلاف بين اصحاب هذه الرؤية، بين مَنْ يطالب بإقامة دولة ثنائية القومية، باعتبار انه لا يمكن القفز على الواقع دفعة واحدة، وبين مَنْ يطالب بإلغاء اي تمايز قومي، وإقامة دولة ديموقراطية- ليبرالية، اي دولة مواطنين من دون أي تمييز بينهم لأي سبب.
في الغضون، يجد الفلسطينيون أنفسهم، وبعد أكثر من ستة عقود على النكبة، في حال من العجز عن السير في أي مشروع، سواء اعتبر واقعياً او طوباوياً، مرحلياً او مستقبلياً. حتى الكيان الذي نشأ عن اتفاق اوسلو، في 22 في المئة من ارض فلسطين، وبدعم دولي وإقليمي وعربي، بات يبدو غير قابل للحياة، في حين أن قطاع غزة، وهو المنطقة الوحيدة التي أضحت تعتبر محررة، وخارج الاحتلال الإسرائيلي، مازال تحت الحصار منذ 7 سنوات، تعرض خلالها لثلاث حروب مدمرة.
بيد أن تراجيديا الكفاح الفلسطيني لا تتوقف على ذلك، فكما ثمة تخبط، وحيرة، في تحديد الأهداف، ثمة مثلها، وتبعاً لها، كثير من الحيرة والتخبط في تحديد وسائل الكفاح التي ينبغي انتهاجها لتجسيد المشروع الوطني الفلسطيني المنشود.
مثلاً، بالنسبة إلى فلسطينيي 48 هم في مكانة المواطنين في إسرائيل، يدرسون في مدارسها ويتعلمون في جامعاتها ويشتغلون في مؤسساتها وشركاتها، ويشاركون في انتخاباتها، وفي عضوية الكنيست، وهم ينتهجون الوسائل السلمية في كفاحهم من أجل حقوقهم في المواطنة، والمساواة الفردية والقومية فيها، كما من أجل حقوق شعبهم في التحرر من الاستعمارية الإسرائيلية. والمشكلة أن هذا الجزء من الشعب لا يشتغل، ولا ينضوي، في إطار المؤسسات الوطنية العامة، وأن حركة التحرر الفلسطينية رضيت بهذا الواقع، بدعوى تفهم الظروف الخاصة لهذا الجزء من الشعب الفلسطيني، مع ما في ذلك من انعكاسات سلبية على هويته الوطنية، ووحدته المجتمعية، وكيانيته السياسية، وعلى تعريفه لذاته كشعب.
أما فلسطينيو الضفة والقطاع المحتلين (1967)، فانتهجوا طريق النضال بالوسائل المدنية، وعبر الموجات الانتفاضية التي توجت بالانتفاضة الشعبية الكبرى (1987- 1993). وما شهدته هذه الأراضي (مع مناطق 48) من عمليات مسلحة، قبل قيام السلطة (1993) كان مجرد انعكاس للنشاط الفلسطيني المسلح في الخارج. وفي الواقع فإن الفلسطينيين في الأراضي المحتلة لم يتعرفوا إلى تجربة الصراع المسلح ضد الاحتلال إلا بعد انتقال الفصائل الفلسطينية إلى الداخل، بعد إقامة كيان السلطة، وبعد انخراط الفصائل الإسلامية (حماس والجهاد الإسلامي) في تجربة المقاومة المسلحة، ما انعكس على الانتفاضة الثانية (2000- 2004) التي طغت عليها العسكرة، وطابع المواجهات المسلحة. مع ذلك، فإن التعامل في الأراضي المحتلة، حتى بعد اقامة السلطة، ما زال بالشيكل الإسرائيلي، وثمة تبادل تجاري مع إسرائيل يقدر بأربعة بلايين دولار في السنة، وإسرائيل هي المسؤولة عن توريد المحروقات والكهرباء والمياه إلى الاراضي المحتلة، في الضفة وغزة ايضاً.
أما الفلسطينيون اللاجئون في البلدان العربية فأُخرجوا من المعادلات المتعلقة بالصراع ضد إسرائيل، بسبب انتهاء الظاهرة المسلحة في الخارج، وأفول دور منظمة التحرير، وتحول الحركة الوطنية إلى سلطة، في حين اخضع التواجد الفلسطيني المسلح للتوظيفات السياسية الإقليمية، كما يحدث في لبنان أو سورية.
ورغم تجربة سياسية للحركة الوطنية الفلسطينية عمرها نصف قرن، فإنها ما زالت تبدو في البدايات، بالنسبة إلى حيرتها واضطرابها في تعريف أهدافها، وتحديد أشكال نضالها، وبناء مؤسساتها. فليس ثمة اتفاق على كيفية التعاطي مع إسرائيل، باعتماد الكفاح السلمي طويل الامد، او بالمفاوضات، أو بالمقاومة الشعبية او بالمقاومة المسلحة؛ وهذه بالعمليات الفدائية أو التفجيرية أو بالصواريخ.
طبعاً ثمة مفارقة، فهناك جزء من الشعب الفلسطيني يتعايش مع إسرائيل وجزء آخر يقوم بعمليات تفجيرية أو صاروخية، وبينما تقوم فصائل فلسطينية بقصف إسرائيل بالصواريخ من غزة، باعتبارها عدواً للفلسطينيين، ودولة مغتصبة، فإن هذه الفصائل ذاتها تطالبها بفتح المعابر، وتسهيل امدادها بالمياه والكهرباء والمحروقات، ناهيك ان مئة ألف فلسطيني يعملون في القطاعات الانتاجية الإسرائيلية.
إنه وضع يعتبر سابقة، ولم تعرفه التجارب الأخرى، فإذا كان العدو واحداً، وطبيعته هي ذاتها، والنظرة إليه لا تختلف من وضع إلى آخر، فلِمَ هذا الاضطراب في البرامج والسياسات الفلسطينية؟! ولِمَ لا توجد معالجات لهذه الحالة؟ وإلى متى هذه الحيرة أو هذا التخبط؟

اقرأ أيضا

من أجل المشاهدات..مراهق يموت على سطح قطار

بحثاً عن مشاهدات مرتفعة على تيك توك، توفي مراهق نمساوي بعد اصطدام رأسه بجسر للسكك …

قمة لشبونة.. السغروشني تستعرض استراتيجية “المغرب الرقمي” وآفاق الاسثتمار

ينهي المغرب اليوم الخميس، مشاركته في فعاليات قمة الويب لشبونة 2024، التي احتضنتها البرتغال. وشاركت …

العلوي تستعرض أبعاد مشروع قانون المالية 2025 وتؤكد صلابة ومناعة الاقتصاد الوطني

استعرضت نادية فتاح العلوي وزيرة الاقتصاد والمالية، اليوم الخميس بمجلس النواب، أبعاد مشروع قانون المالية 60.24، مسطرة على أن قوة الاقتصاد الوطني تكمن في صلابته ومناعته، إضافة إلى تميزه بالدينامية.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *