تنتظر تونس حدثا تاريخيا بمناسبة الانتخابات البرلمانية القادمة التي ستجري يوم 26 أكتوبر 2014. وستقام الانتخابات البرلمانية في 33 دائرة انتخابية، 27 منها في تونس و6 في الخارج مثلما كان الحال في انتخابات 23 أكتوبر 2011 الماضية.
وستكون الانتخابات القادمة حاسمة لمستقبل تونس باعتبار أنها ستفرز البرلمان الذي سيشكّل حكومة ستحكم تونس طيلة الخمس سنوات القادمة. وهذا يعني أن مقاليد الحكم في تونس ستكون بأيدي البرلمان والحكومة التي ستنبثق عنه. والأحزاب السياسية التونسية جميعها تعرف ذلك وتعي أهمية التشريعية. ولذلك شرعت في التجهيز لها عبر تشكيل لجان انتخابية مهمّتها الإعداد المادي واللوجستي للانتخابات، وعبر مناورات وتكتيكات وخطط متنوّعة الغاية منها لدى البعض إلهاء الخصوم وكسب الأرض من تحتهم وتسجيل النقاط عليهم، والإعداد المحكم للفوز الانتخابي من أجل تحقيق أهداف الثورة لدى القوى الوطنية.
ولعل أشهر المناورات الانتخابية جاءت من قبل حركة النهضة التي أطلقت منذ مدة مبادرة المرشح التوافقي لرئاسة الجمهورية. وكانت الغاية من هذه المبادرة سحب الجميع إلى نقاش عبثي وإلهائهم عن التشريعية، رغم أنّ الأسبقية ستكون لها على الرئاسيّة، ورغم أنّ المبادرة مفرغة من المحتوى لأنّ النهضة لا تملك مرشّحا توافقيّا أصلا، ولأن المبادرة منافية للعملية الانتخابية الحرة التي تقتضيها الممارسة الديمقراطية. وقد خفتت هذه المبادرة الآن بل ماتت بعد أن رفضتها الأحزاب الكبرى، ومنظّمات المجتمع المدني، والشخصيات الوطنية.
أمّا التكتيكات المتّصلة بالتشريعيّة، فسنهتم من خلالها بنقد الأحزاب التونسية الثلاثة الكبرى المتنافسة؛ الجبهة الشعبيّة ونداء تونس وحركة النهضة. فقد حصرت هذه الأحزاب خططها في إعداد القوائم التي ستخوض المنافسات الانتخابية وهاجسها هو البحث عن الأسماء التي يمكن أن تنافس بقوّة، بما يوفّر لها أكبر فرص النجاح في اقتلاع مقاعد برلمانية تضمن لها المشاركة في الحكم أو التموقع في المعارضة.
وباستثناء الجبهة الشعبية فإن ما يرشح من أنباء يثبت أن أغلب الأحزاب وجدت مشاكل كبرى في حسم أمر رؤساء قوائمها الانتخابية بسبب غياب الآليات والمقاييس الموضوعيّة في الاختيار، أو بسبب عدم توفر المترشحين الأكفاء لرئاسة القوائم. ورغم أن الجبهة الشعبية تتكون من 10 أحزاب منصهرة، إضافة إلى عدد كبير من غير المتحزّبين، فإن هذا التعدد لم يقف حائلا أمام قدرتها على التحكم في صراعاتها الداخلية وتحويلها إلى جدل حي فاعل.
فاجأت الجبهة خصومها بقدرتها على إدارة شأنها الانتخابي من خلال جملة من الآليات الديمقراطية التي أقرّتها هياكلها. ومن هذه الآليات الرجوع إلى التنسيقيات الجهوية في اختيار رؤساء القوائم. ولذلك التأمت مجالس جهوية في كل المحافظات التونسية، أشرف عليها أعضاء مجلس أمناء الجبهة وتداول فيها مناضلو الجبهة مسألة رؤساء القوائم بشكل ديمقراطي.
وقد وضعت الجبهة الشعبية مقاييس واضحة لاختيار رؤساء قوائمها الانتخابيّة أهمّها، أن يكون المترشح من المنخرطين فيها، وأن يكون من أبناء الجهة التي يرغب في تمثيلها، وأن يكون مناضلا واسْما لامعا نقيا في جهته. وقد يسر للجبهة أمرها انتشارُ مناضليها ومنتسبيها في كلّ الجهات وعلى كلّ القطاعات والمجالات، حتى أنّ الاختيار بين مترشّح وآخر بدا عسيرا في بعض الجهات مثل بنزرت وسيدي بوزيد.
أمّا تكتيك حركتي النهضة ونداء تونس في اختيار رؤساء القوائم الانتخابية فقد كان مختلفا عن الجبهة الشعبيّة، إذ واجهتهما مشاكل محرجة في الجهات الداخلية. من هذه المشاكل افتقارهما إلى رؤساء قوائم في بعض الدوائر الانتخابيّة، أو اعتراض أبناء الجهة على مرشّحين تقترحهم القيادة المركزيّة، كما هو شأن نداء تونس في محافظات نابل وبن عروس وأريانة، والنهضة في المنستير وصفاقس.
ولذلك التجأت الحركتان إلى أساليب ذرائعية، إذ أنّهما لم تعودا تشترطان انتماء المترشح إليهما ليرأس القائمة لاسيما في الجهات التي لا يوجد لهما فيها تأثير ومنتسبون. ولذلك اختارت الحركتان أسلوب الفحص الجهوي بحثا عن الشخصيات الوازنة في جهاتها وغير المتحزّبة لإغرائها بترؤّس القائمة الانتخابية. وهذا ما فعلته حركة النهضة في دائرتي صفاقس2 وسيدي بوزيد، وحركة نداء تونس في دوائر بنزرت والقيروان وسوسة والكاف.
ويمكن أن نختصر الملاحظات النقدية لعملية تشكيل القائمات الانتخابيّة في اثنتين كبريين؛ الأولى هي اختزال الجدل في رئيس القائمة، مع أنّ بعض الدوائر يصل عدد البقاع البرلمانيّة فيها إلى 9. والاكتفاء بالتداول في رئيس القائمة فقط سيجعل القائمات غير متوازنة. وسيربك العملية الانتخابية لأن الناخبين سيشعرون بأنّ باقي أعضاء القائمة المترشّحة ليسوا في وزن رئيس القائمة، وقد لا يكون اختيارهم مدروسا. وإنّما وظيفتهم هي فقط ملء القائمة.
والملاحظة الثانية مضمونها ضمور تمثيل المرأة في رئاسة القائمات الانتخابية للأحزاب الثلاثة الكبرى. ويذكر أن القانون الانتخابي التونسي المنظّم للانتخابات القادمة، والذي لم يصادق عليه المجلس الوطني التأسيسي إلاّ بعد نقاش طويل دام أشهرا، يفرض على القائمات المترشّحة شرط التناصف بين المترشحين والمترشحات. ولولا شرط التناصف في القائمات، لكان تمثيل المرأة هزيلا في الانتخابات. وعلى كل حال فإنّ التناصف في القائمات لن يضمن التناصف في البرلمان القادم، خلافا لطموح المجتمع المدني والحركات النسويّة.
*كاتب وباحث سياسي تونسي
“العرب”
اقرأ أيضا
توقيع اتفاقية شراكة لحماية المنشآت الإدارية لبنك المغرب وتأمين نقل الأموال
وقعت المديرية العامة للأمن الوطني وبنك المغرب على اتفاقيتين، الأولى عبارة عن بروتوكول بشأن تخويل …
صحيفة: غواصة نووية فرنسية تشارك لأول مرة في مناورات بحرية مع المغرب
قالت صحيفة “mer et marine” الفرنسية المتخصصة، إنه بمناسبة النسخة الثلاثين من مناورة “شيبيك”، وهي …
تخطط لجنازتها بعد زيارة قصيرة للطبيب
بعد زيارة اعتقدت أنها بسيطة للطبيب بعد إصابة في كتفها، أصبحت أم لطلفين، تخطط لإقامة …