المعنى الحقيقي في أن يحتفل المغرب بعيد العرش شعبا وملكا هو القيام بجرد واقعي لما تحقق عبر مجموعة سنوات في مسيرة متوالية من التراكمات والانجازات، فالعيد مستمر باستمرار الملكية. ملكية حافظة لكيان الأمة المغربية ومعبرة عن استقرار البلد وأمن المواطن بتجلياته.
خمسة عشر سنة من حكم الملك محمد السادس، سنوات طبعتها تراكمات مستمرة في مجالات عدة ترتبت عنها نتائج لن تكون بالطبع سوى انعكاس للرؤية وما تصبو إليه تلك طموحات الملك المتطلع نحو الأفضل. الأفضل، لشعب تلاحم مع عرش له جذور في التربة المغربية سياسيا وتاريخيا.
فعلا، الملك في المغرب هو صانع الإستراتيجية التي تسير عليها الدولة، وهو صاحب الرؤية الشاملة، وهو محور العملية السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلد. مسؤولية جسيمة تتطلب الكثير من الصبر والرقابة الذاتية الصارمة والتشاور قبل اتخاذ القرار.
إنها الواقعية في التدبير والحكامة في تنزيل المقترحات والمبادرات جعلت الملك في هذه السنة يتساءل ويؤكد “من منطلق الأمانة العظمى التي أتحملها، كملك لجميع المغاربة، أتساءل يوميا، بل في كل لحظة، وعند كل خطوة، أفكر وأتشاور قبل اتخاذ أي قرار، بخصوص قضايا الوطن والمواطنين:هل اختياراتنا صائبة؟ وما هي الأمور التي يجب الإسراع بها، وتلك التي يجب تصحيحها؟ وما هي الأوراش والإصلاحات التي ينبغي إطلاقها؟”.
تساؤلات تعبر على الرغبة الأكيدة في الإتيان بما هو أفضل والقيام بالواجب على أكمل وجه، والبحث عن السبل القمينة بتدارك كل ما يعيق الحركة في تحقيق الأهداف المرجوة. الكل يرى ما حققه المغرب في العشرية الأخيرة من منجزات تبدو واضحة، لكن محمد السادس يقول، “من حقنا جميعا أن نتساءل: هل ما نراه من منجزات، ومن مظاهر التقدم، قد أثر بالشكل المطلوب والمباشر على ظروف عيش المغاربة؟وهل المواطن المغربي، كيفما كان مستواه المادي والاجتماعي، وأينما كان، في القرية أو في المدينة، يشعر بتحسن ملموس في حياته اليومية، بفضل هذه الأوراش والإصلاحات؟”.
إنه الاهتمام بما يتطلع إليه المواطن المغربي، تميز يطبع العلاقة بين الملك وشعبه بكل مكوناته تجده بارزا في عدة مبادرات انطلقت بخطاب فأصبحت واقعا على الأرض، كان خطاب 9 مارس 2011 أسمى تعبير عن مبادرة خلق مناخ أكثر ديمقراطية وحرية وتعزيز دولة القانون والمؤسسات.
مبادرة تجسدت في دستور ديمقراطي ومتقدم في منطقة خالفت أغلب دولها موعدها مع التاريخ فأصبحت رهينة في جو مضطرب وضبابي. وقد عبر الملك في خطاب العرش على أنه “لا أحد يمكنه أن ينكر التطور الديمقراطي، الذي يجسده دستور 2011، ومنظومة الحقوق والحريات التي تتوفر عليها بلادنا، والإقدام على ورش الجهوية المتقدمة. غير أن الأثر الملموس لهذه الإصلاحات وغيرها، يبقى رهينا بحسن تنزيلها، وبالنخب المؤهلة لتفعيلها”.
تنزيل كل المبادرات التي تخدم المواطن وتحفظ للبلد مستوى تطوره وريادته في المنطقة، يتطلب نخبة سياسية واقتصادية وعلمية تساعد في إبراز الوجه المتميز للمملكة. وذلك بانجازاتها على الأرض المطلوب هو تجاوز الأرقام مهما كانت والإحصائيات مهما بلغت والوصول إلى واقعية ومدى استفادة المواطن في جميع أرجاء المغرب من تلك المبادرات والمشاريع.
فالملك محمد السادس يبادر بالقول “أنا لا تهمني الحصيلة والأرقام فقط، وإنما يهمني قبل كل شيء، التأثير المباشر والنوعي، لما تم تحقيقه من منجزات، في تحسين ظروف عيش جميع المواطنين”.
خطوات الملك محمد السادس منذ اعتلائه العرش سنة 1999 الى اليوم كانت مشمولة بقرارات جريئة جديرة بالاهتمام. فالمغرب مع الملك من الدول التي تفاعلت مع الأحداث والمتغيرات الداخلية والدولية بايجابية وذكاء، والجالس على العرش كان سباقا إلى كل ما يحفظ للأمة توازنها السياسي والاجتماعي والارتقاء خطوات متقدمة على المستوى الاقتصادي.
خطوات لم تكن لتطغى على ما تقوم به مبادرة التنمية البشرية في محاربة الهشاشة والفقر بجميع جهات المغرب نموذج قال عنه العاهل المغربي أنه “قد بلغ درجة من النضج، تؤهلنا لاعتماد معايير متقدمة وأكثر دقة، لتحديد جدوى السياسات العمومية، والوقوف على درجة تأثيرها الملموس على حياة المواطنين”.
فهذا الملك يحكم بلدا محوريا بحسب الموقع، وله ارتباطات مصالحية بمحيطه الإقليمي والدولي، بلد يتأثر بالمتغيرات ويؤثر فيها. فالإصلاحات الداخلية التي باشرها الملك محمد السادس منذ تسلمه السلطة لازالت مستمرة والانجازات تتحقق كل يوم.
فرغم الظروف المحيطة بالمملكة فالتحديات موجودة على عدة مستويات، والجبهات المتعددة تفتح كل ساعة. مع ذلك “لا يمكن لأي أحد أن يتجاهل البنيات التحتية الكبرى، التي تم إنجازها” حسب كلمة الملك الذي تساءل في فخر “هل كان بإمكان المغاربة، وأنا في مقدمتهم، أن يتخيلوا بأن بلادهم تتوفر على أكبر ميناء بحوض المتوسط، وعلى أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم؟ وهل كان بإمكان أي مواطن أن يتنقل عبر الطريق السيار، من أكادير إلى طنجة، أو من الجديدة إلى وجدة؟”.
بتبصر وجرأة محمد السادس المعهودة أعلن في بداية حكمه عن مبادرته الحكيمة بإنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة للقطع مع مرحلة قاسية من تاريخ المغرب الحديث، اصطلح عليها سنوات الرصاص لجبر الضرر والتصالح مع مرحلة كانت مستفزة حقوقيا، فأصبح الانفتاح حقوقيا وسياسيا واجتماعيا من الخطوات العملية التي حددت رؤية الملك المستقبلية لما ينبغي أن تكون عليه العلاقات بين الدولة والمواطن.
نفس الجرأة عبر عنها الملك بسؤاله عن مصير ثروة البلد بعدما صنف البنك الدولي المغرب في المراتب الأولى إفريقيا من حيث التطور الاقتصادي والمالي. “بعد الاطلاع على الأرقام والإحصائيات، التي تتضمنها هاتين الدراستين، والتي تبرز تطور ثروة المغرب، أتساءل باستغراب مع المغاربة: أين هي هذه الثروة؟ وهل استفاد منها جميع المغاربة، أم أنها همت بعض الفئات فقط؟”.
يجيب محمد السادس بالأرقام والملاحظة “إذا كان المغرب قد عرف تطورا ملموسا، فإن الواقع يؤكد أن هذه الثروة لا يستفيد منها جميع المواطنين. ذلك أنني ألاحظ، خلال جولاتي التفقدية، بعض مظاهر الفقر والهشاشة، وحدة الفوارق الاجتماعية بين المغاربة”.
في بداية خطاب الملك أراد من حصيلة السنوات التي قضاها في الحكم أن تكون “وقفة تأمل وتساؤل مع الذات، بكل صراحة وصدق وموضوعية، حول ما طبع مسيرتنا من إيجابيات وسلبيات، للتوجه نحو المستقبل، بكل ثقة وعزم وتفاؤل”.
ليخلص في ما يتعلق بمستقبل ثروة المغرب إلى القيام بدراسة معمقة تبرز القيمة الحقيقية للرأسمال غير المادي للمغرب، و”ذلك لتعميم استفادة جميع المغاربة من ثروات وطنهم.” دراسة “تقدم تشخيصا موضوعيا للأوضاع، وتوصيات عملية للنهوض بها”.
“ميدل ايست أونلاين”
اقرأ أيضا
دفاع الناصري يكشف لـ”مشاهد24″ تفاصيل استدعاء سياسيين ورجال أعمال وتقديم وثائق مهمة في الملف
تقدمت هيئة دفاع سعيد الناصري الرئيس السابق لنادي الوداد الرياضي البيضاوي المتابع على خلفية الملف المعروف بـ"إسكوبار الصحراء"، اليوم الجمعة، بعدة ملتمسات تعول على التجاوب معها لكشف مجموعة خيوط ضمن القضية.
ناس الغيوان والشاب خالد يشعلان أولى دورات “Fun Festival” وسط تفاعل جماهيري كبير
أحيت فرقة “ناس الغيوان”، مساء أمس الخميس، أولى فقرات مهرجان “Fun Festival” في أول نسخة …
أخنوش يمثل الملك في القمة التاسعة عشرة للفرنكوفونية
يمثل رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، الملك محمد السادس في القمة التاسعة عشرة للفرنكوفونية، التي تعقد اليوم الجمعة في مدينة اللغة الفرنسية الدولية في قلعة فيلير-كوتريه، شمال باريس، قبل أن تواصل أشغالها السبت في القصر الكبير بالعاصمة الفرنسية.