«بركات» التكنوقراط!

حين انتصبت حكومة ـ التكنوقراط ـ تفاءل بها التونسيون.. وظنوا أنها ستقطع مع كل مآسي حكومة الترويكا وإخفاقاتها وظنوا أنها ستنهي انفلاتات الأسعار المتكرّرة وصعودها الجنوني.. أكثر من هذا وبالنظر الى فشل حكومة الترويكا الشامل تفاءلوا بأن الحكومة الجديدة يمكن أن تكون حكومة التنمية الشاملة.. أو حكومة وضع قطار التنمية الشاملة على السكة الصحيحة وتهيئة الأرضية لانطلاقة فعلية لعملية تنموية عادلة وراشدة في أدنى الحالات.
لكن بعد شهور قليلة فتح التونسيون عيونهم على الحقيقة المرّة ليكتشفوا أن أحلام الرخاء والتنمية واستعادة الأسعار لرشدها إنما هي أحلام يقظة.. وبأن عجز الميزانية أكبر من كل التصورات وبأن حكومتهم التكنوقراطية لم تجد من حلّ إلا أن تتحول الى حكومة زيادات شاملة في الأسعار وفي الجباية.
قد يقول البعض: وما العمل إزاء عجز الميزانية وانخرام كل الموازنات وشحّ الموارد وتعطّل الاقتصاد؟.. وللتو نجيب بأن هذه اللوحة كانت معروفة سلفا.. والحكومة المؤقتة أخذت من الوقت ما يكفي وزيادة لفتح كل الملفات والإمساك بكل الخيوط ووضع التشخيص المناسب لوضعية البلاد ولوضعية اقتصادها بالخصوص. وعند هذه النقطة اتجهت حكومة ـ التكنوقراط ـ الى ما رأته حلولا دون مصارحة الشعب بحقيقة الأمور وبمن المتسبب في كل هذا الخراب الذي استوجب كل هذه الزيادات طالما أن حكومة الترويكا ووزراءها ـ الأشاوس ـ كانوا يصمّون آذاننا صباحا ومساء (ويوم الأحد) ويصرخون في كل المنابر بأنهم أفضل تجسيد لـ«أقوى حكومة» عرفتها تونس على امتداد تاريخها وبأن نسبة النمو طارت في عهدهم السعيد والبطالة تراجعت ومعها الأسعار حتى أن أحد الوزراء لم يستح ليؤكد بأن سعر الفلفل 300 مليم في حين كان سعره وقتها يسبح فوق الثلاثة دنانير.
هذه أولى، أما الثانية فإن حكومة التكنوقراط المجيدة اتجهت رأسا نحو الحلول السهلة ممثلة في رفع الدعم عن بعض المواد الأساسية وتعميم الأداءات الجبائية على مجالات كان المساس بها من قبيل الخيال فإذا بنا نلمسها حقيقة ماثلة.. وهذه حلول لا تستدعي في الواقع كل هذه «المهارات التكنوقراطية» التي تمّ الترويج لها وأحيط بها مقدم هذه الحكومة السعيدة، أي شخص لو تعلق الأمر بمثل هذا التمشي وبمثل هذه الحلول قادرعلى إثقال كاهل المواطن بالزيادات لإنعاش خزائن الدولة.
سيقولون: وما البدائل؟ نقول إن المواطن منهك وحالته متعبة.. وانه من أوكد واجبات فريق ـ تكنوقراط ـ أن يأتينا بحلول فيها استنباط وإبداع ولا تعمق مأساة المواطن ومعاناته.. هناك رجال أعمال معطلون وهم على استعداد لضخ الأموال لو فتحت ملفاتهم بجدية بعيدا عن هرطقات دعاة «المحاسبة» التي هم أولى بها.. وهناك مواطنون في الخارج لو تمّ تحرّك مدروس لاستقطابهم وتحفيزهم للإسهام في بناء بلدهم.. وهناك ثروات صاروخية نبتت فجأة وكان أحرى أن يسأل أصحابها: من أين لكم هذا؟
وفي الأخير فإن واجب التكنوقراط هو إيجاد الحلول والبدائل التي تنعش البلاد والعباد ولا تزيد في خنق مواطن غلبان أصلا ملّ زيادات الأسعار والأداءات.. وسئم من فوضى الإرهاب وشطحات السياسيين المبتدئين.
“الشروق” التونسية

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *