في 30يونيو، الأسبوع الماضي، أكملت مصر عامها الأول على إسقاط حكم جماعة «الإخوان المسلمين»، والمفارقة هي أن الدولة المصرية أنجزت استحقاقات خريطة المستقبل لبناء مستقبل مصر ولم يتبق إلا الانتخابات النيابية، وبالمقابل، فإن جماعة «الإخوان المسلمين» -وكالعادة- فشلت فشلاً ذريعا في إحداث أي نوعٍ من التظاهر أو الحراك لإحياء ذكرى سقوط الجماعة ومحمد مرسي والشرعية المزعومة.
قدّمت مصر بذلك نموذجاً جديداً لجمهوريات العالم العربي المنتفضة منذ 2011، وما يخيف الجماعات الأصولية وداعميها العرب والإقليميين، هو أن يكون هذا النموذج نموذجاً قابلاً للتعميم، والنموذج باختصارٍ هو الخلاص من الحكم الأصولي والتيارات والجماعات الأصولية واستعادة استقرار الدولة وتحجيم الفوضى وتياراتها، والفرح العارم في مصر بذلك الإنجاز تطمح العديد من الشعوب العربية في احتذائه لتحقيق الاستقرار والأمن.
إن المعركة ضد جماعة «الإخوان المسلمين» والجماعات الإرهابية المنبثقة عنها والمتحالفة معها لن تكون قصيرةً بحالٍ، بل ستمتد لسنواتٍ إن لم يكن أكثر، ومثلها المعركة ضد الفوضى التي تغلغلت وتوسعت خلال السنوات الثلاث الماضية، وهما معركتان يجب على كل دولةٍ تريد الانعتاق من آثار الربيع الأصولي العربي أن تخوضهما.
في ليبيا على سبيل المثال، سعت جهاتٌ فاعلةٌ في المشهد الليبي لاقتفاء النموذج المصري في التخلص من أوضار الأصولية والفوضى، ولكنّ معركتها لن تكون سهلةً بحالٍ، فليبيا ظلت لأكثر من أربعين عاماً، وهي تعيش حالة يمكن وصفها بشبه الدولة وليست دولةً بالمفهوم الحديث، فليس لديها جيشٌ نظاميٌ عريقٌ يمكن الاعتماد عليه لإنقاذ البلاد، وليست لديها مؤسسات إدارية بيروقراطية راسخةٍ يمكن العودة إليها وتقويتها في أي بحثٍ عن سبيلٍ للخلاص، ومن هنا ظلت ساحةً لكل المتصارعين في الداخل وملعباً مفتوحاً لكل اللاعبين الإقليميين.
غير هذا من الفوارق، هو أن حجم ليبيا الدولي والعربي لا يقارن بمصر، واحتمالات نجاح اللواء خليفة حفتر في خلق قوةٍ عسكريةٍ ضاربةٍ يمكن الاعتماد عليها ودعمها عربياً لم تزل محل جدلٍ، والدعم الدولي لليبيا لن يكون فاعلاً ما لم تستطع قوةٌ ليبيةٌ سياسيةٌ وعسكريةٌ فرض هيبة الدولة والنجاح في محاربة الإرهاب وجماعاته وتنظيماته، وكذلك الحدّ من ظاهرة المهاجرين إلى أوروبا، هذا مع استحضار أن ليبيا لم تزل تحت البند السابع من مجلس الأمن.
تاريخياً، كانت ليبيا الملكية السنوسية ملجأ لقيادات وعناصر جماعة «الإخوان المسلمين» الفارين من بطش عبدالناصر، ومنهم محمود أبو السعود ويوسف ندا وغيرهما، عمل بعضهم مع الملك السنوسي وفروا بعدما أسقط حكمه القذافي ومن معه من العسكر، وهاجر بعضهم لدول الخليج العربي، وكالعادة فهم لا يحلون بلداً إلا أنشؤوا تنظيماً خاصاً بهم أو على الأقل خلقوا نواةٍ لتشكيله.
بعد الربيع الأصولي العربي كان حلم «إخوان» تونس ومصر أن تكون ليبيا مصدر تمويلٍ لهم عبر صادراتها النفطية وشعبها القليل نسبة لمساحتها، وقربها من أوروبا، حيث لا يمر نفطها بأي مضيق بحري، وكانت الدولة العربية الصغيرة الداعمة لفوضى الربيع الأصولي وللجماعات الأصولية «قطر» قد سعت لكسب ود القذافي عبر الهجوم المستمر الذي كانت تخبره به على السعودية، وهي قامت بوساطات لإنفاذ مشروع مراجعات الإسلاميين وإخراجهم من السجون بواسطة دعاةٍ ينتسبون لـ«الإخوان المسلمين» أو للإسلام السياسي بشكلٍ عامٍ، مثل يوسف القرضاوي وسلمان العودة وغيرهما، وكان المنسق لذلك ليبيّاً هو الإخواني الليبي المعروف علي الصلابي.
وقد سعت جماعة «الإخوان المسلمين» في ليبيا بعد الربيع الأصولي للسيطرة على الدولة الليبية عبر المليشيات المسلحة التابعة لها والمتحالفة معها، وكانت تجد دعماً من «إخوان» مصر عندما كانوا في السلطة، وبعد إسقاط حكم الجماعة بمصر سعت الجماعة مع حلفائها الإقليميين عربياً في قطر والسودان وإقليمياً في تركيا لتعزيز سيطرة الأصوليين على الحكم في ليبيا بهدفين: الأول، الاستفادة من نفطها وثرواتها في دعم التنظيم الدولي للجماعة. الثاني، خلق جماعاتٍ مسلحةٍ على حدود مصر تكون قادرةً على تنفيذ عملياتٍ تفجير وقتلٍ وتدريبٍ مع تقديم أي دعمٍ تحتاجه الجماعة داخل مصر.
اليوم والليبيون على موعدٍ مع ثاني انتخاباتٍ نيابيةٍ بعد إسقاط حكم القذّافي، فإن على الليبيين أن يتذكروا ما جرى في الانتخابات الأولى التي فاز بها تكتلٌ جمع التيارات الوطنية غير الأصولية، ولكنّ هذه الجماعات استخدمت الأساليب كافة العنيفة والمسلحة لتغيير تركيبة البرلمان، ونشرت الفوضى واستخدمت المليشيات في ضرب كيان الدولة في أحداثٍ مؤلمةٍ وصل بعضها للكوميديا السوداء حين تختطف جماعةٌ رئيس وزراءٍ من بين حرسه بالقوة المسلحة. لقد عانى الشعب الليبي تطرف وعنف المليشيات الأصولية المسلحة، وعانى تحويل ليبيا لمركز استقطابٍ للإرهابيين من أنحاء العالم كافة، وعانى تحويل البلاد لمركز تصديرٍ للإرهابيين للمناطق المضطربة كافة في العالم، وليس غريباً أن يتوق لأي بصيص أملٍ ينقذه من هذه الأصولية والفوضى، وهو أبان ذلك من خلال تفاؤله وتظاهراته لدعم حركة اللواء خليفة حفتر، بحثاً عن استقرار الدولة وفرض هيبتها وبسط الأمان، وأملاً في بدء عملية تنميةٍ تنتشل الشعب الليبي مما هو فيه من معاناةٍ وآلام.
وتصحيح بعض التوصيفات والمفاهيم يعتبر أمراً مهماً في أي محاولاتٍ لإحداث تغييرٍ في المشهد الحالي، وعلى سبيل المثال، فإن ما جرى في مصر يناير 2011 و30 يونيو 2013 وما جرى في ليبيا فبراير 2011 لم يكن ثورةً بالمعنى الحديث للكلمة، بل هي انتفاضاتٌ كبرى أو جيشٌ قويٌ أسقطا أنظمة حكمٍ، والثورة شيءٌ وإسقاط الأنظمة السياسية شيءٌ مختلفٌ، هذا نظراً للتعريف العلمي بغض النظر عن التقويم سلباً أم إيجاباً.
أخيراً، فإن الانتخابات النيابية القادمة في كلٍ من مصر وليبيا ستشكل فارقاً مهماً في اتجاه بوصلة المستقبل في البلدين، ونتائجهما من الأهمية بمكانٍ كبيرٍ، فإما أن تتجه الدولتان إلى ترسيخ استقرار الدولة وبسط هيبتها والشروع في بناء المستقبل وتنمية البلاد وبناء المؤسسات وصناعة الأجيال الناجحة، وإما أن تتجها لما يعرقل ذلك كله من أصوليةٍ متطرفةٍ وعنيفةٍ وفوضى عارمةٍ تخرّب كل المنجزات، ولئن بدت مصر متجهةً لمستقبلٍ أفضل، فإن ليبيا لا تبدو كذلك.
“الاتحاد” الإماراتية
اقرأ أيضا
الحركة الشعبية تُرحب بمراجعة مدونة الأسرة
نوهت الأمانة العامة لحزب الحركة الشعبية بالمقاربة التشاركية التي اعتمدتها اللجنة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، تنفيذا للتوجيهات الملكية الحكيمة، من خلال انفتاحها على كل مكونات المشهد السياسي وأطياف المجتمع المدني، مع التنويه بصبر وطول نفس كل أعضاء اللجنة وحرصهم على الإصغاء، والإشادة بالمجهود الكبير الذي بذلته اللجنة من أجل تجميع كل الآراء والتوجهات قبل رفع عملها التركيبي إلى الملك.
اختطاف مدرس هندي وإجباره على الزواج من فتاة
في حادثة غريبة، حصلت للمعلم أفنيش كومار، وهو مدرس حكومي في ولاية بيهار بالهند، تم …
الأمن يوقف 5 أشخاص لتورطهم في السياقة الخطيرة بالرباط
تمكنت عناصر الشرطة بولاية أمن الرباط، أمس الخميس 26 دجنبر الجاري، من توقيف خمسة أشخاص، …