فتوى السياسة والحرب في ليبيا

من خلال الظهور المتكرر على القنوات الفضائية الليبية للعقيد محمد حجاز الناطق الرسمي باسم عملية الكرامة ألف من يتابع الإعلام المحلي هناك أمران، الأول: أن ظهور السيد الحجازي أصبح شبه يومي وذلك يعني استمرار العمليات العسكرية في مدينة بنغازي بين قوات الجيش الوطني الليبي وخليط من التكوينات العسكرية والعقائدية المتعددة الاسماء.
 الأمر الآخر: الفهم ضمناً تراجع أي بوادر للتقدم السياسي بين المتحاربين خاصة بعد الجهود التي شهدتها مدينة بنغازي خلال الاسبوعين الاخيرين من قبل ما يعرف بلجنة حكماء ليبيا التي تشكل مع  لجنة أخرى تسمى لجنة الأزمة التي تتضمن وفد مبادرة فزان الترتيب لوقف إطلاق نار مأمول، وإعداد مناخات أكثر قبولا وامكانية للحوار، إلا أن تصريح في مطلع الاسبوع الماضي للعقيد حجازي قضى على كل أمل في ذلك المسار.
 حيث أكد أن موقف الجيش الوطني الليبي من أنصار الشريعة بعدم امكانية مهادنتهم على الاطلاق، وفهم من تصريحات العقيد حجازي خلال ذلك الاسبوع أنه يمكن التفاهم مع الميليشيات المسلحة، وقوات الدروع فقط،
 وأكد ألا تفاهم مع الارهابيين ويقصد هنا طبعا انصار الشريعة.
هذه الفتوى – وفي هذا التوقيت بالذات – هي دعوة لإذكاء القتال بين الليبيين، وهناك من رأى فيها تأكيدا للانقسام الذي تعيشه البلاد الليبية هذه الصورة المركزة للوضع العام في مدينة بنغازي ولعموم مناطق الشرق الليبي هي السمة العامة للوضع العام في كامل البلاد الليبية، وأضيف على هذه الوضعية الصعبة القابلة للتفجر أمرا لم يكن في الحسبان تمثل في دخول الفتوى الدينية على خطوط السياسية والسلاح.
 حيث صدرت فتوى من مجلس البحوث التابع لدار الافتاء في ليبيا مفادها وجوب محاربة قوات الشرطة والجيش ” قوات حفتر” وانهم فئة باغية وخارجة على الشرعية والقانون، وأن من يقاتل معهم باغ، لتجاوزهم رئاسة الأركان الليبية العامة، التي رأت الفتوى أنها تمثل الشرعية والقانون والدولة.
هناك من رأى أن هذه الفتوى وفي هذا التوقيت بالذات دعوة لإذكاء القتال بين الليبيين، وهناك من رأى فيها تأكيدا للانقسام الذي تعيشه البلاد الليبية، وان الانقسام وصل إلى منصب المفتي الذي يمثله د. الغرياني، الذي اعتبره البعض – بعد مباركة هذه الفتوى – أميل إلى جانب المتطرفين والمتشددين، وأنه وإن كان السيد الغرياني يحظى باحترام شخصي وعلمي بين أوساط الليبيين إلا أن هذه السقطة – كما وصفها البعض – تخرجه من دائرة القبول الشعبي، وبالتالي تجعل كل ما يصدر عنه من رأي غير محل قبول ولا احترام.
لأنه ببساطة يساوي بين من يحارب الارهاب ومن يحارب الإسلام في معادلة ظالمة وغير منطقية.
ذيول الفتوى الاشكالية حاول الشيخ الغرياني التملص منها بأنه ليس صاحب الفتوى إنما هي صادرة من مجلس بحوث دار الافتاء الذي يضم في عضويته تسعة علماء، وتصدر الفتوى أو تجاز بالأغلبية البسيطة، بعيداً عن قبول المفتي إياها من عدمه.
كل تلك التوضيحات التي حاول المفتي وبعض الجهات التي تؤيد هذه الفتوى تبريرها خلال الايام الماضية في ليبيا لم تأت بنتائج ايجابية على الاطلاق، بل بالعكس أكدت – بما لا يدع مجالا للشك – تبني الشيخ الغرياني، وبالتالي دار الافتاء الليبية لرأي جماعة معينة، وأصبح المفتي – تبعا لهذا الفهم – مفتي جماعة لا مفتي ديار ومجتمع وبلاد.
 ردود الفعل الشعبية لم تتأخر كثيرا وعبرت عنها شخصيات اجتماعية وقبلية برفض هذه الفتوى وبالمطالبة بعزل المفتي، لأنه أصبح – كما يقال – عباءة لكل التيارات الايدلوجية المتطرفة، وأنه خالف مهام وظيفته العامة.
 اللافت – على خلفية هذه الازمة – أن هناك رأيا آخذا في التبلور مفاده أن هذه الجماعات المسلحة – التي تتستر بستار الدين – لا تقود حربا ضد عملية الكرامة ولا ضد سلوك اللواء حفتر نفسه، بل ضد الشعب والانسان الليبي.
عموماً لم يتأخر الشارع الليبي في التعبير عن موقفه من كل ما يحدث، حيث خرجت يوم الجمعة 20 يونيو 2014م مظاهرات حاشدة في بنغازي وطرابلس وعدد من المدن الليبية نددت بفتوى الفئة الباغية.
الشخصية الاكثر قبولاً لدى الليبيين منذ اندلاع ثورة السابع عشر من فبراير المستشار مصطفى عبدالجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي، طالب بصورة واضحة بعزل مفتي الديار الليبية، والرجل – كما عرف عنه – زاهد في الشهرة والإعلام والظهور، لكن ظهوره وإعلانه هذا كان ثالثة الاثافي على مؤسسة الافتاء وعلى موقع سماحة المفتي، وعلى مستقبل التسويات المأمولة التي ربما لا تأتي إلا عن طريق مزيد من الصراع.
“اليوم” السعودية

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *