رأيت مقعد مصر فارغاً، فحزنت للغاية، ولما سألت عرفت أن دعوة للحضور تلقاها وزيرنا المسؤول، ولكنه لم يحضر!
أما المقعد فهو مقعدنا فى اجتماع وزراء التربية والتعليم العرب، الذى انعقد فى تونس، آخر الأسبوع الماضى.. وأما الوزير المسؤول، فهو طبعاً الدكتور محمود أبوالنصر، وأما سبب عدم حضوره فليس معلوماً إلى هذه اللحظة، رغم أن الاجتماع كان فى صباح الخميس الماضى، ما يعنى أن انتخابات الرئاسة، مع يومها الثالث، كانت قد انتهت قبلها بـ24 ساعة، وأن الانشغال بمعركة الرئاسة فى مصر لا يصلح، أبداً، حجة، أو عذراً للتخلف عن مؤتمر مهم كهذا، خاصة أن مقعدنا كان هو الوحيد الذى ينعى صاحبه، كما أن المناسبة كانت قد انعقدت برعاية المنظمة العربية للتربية، والثقافة، والعلوم، للتوافق بين الوزراء العرب المعنيين، حول رؤية للتعليم الأساسى فى المستقبل.
وفى صباح أمس الأول، قرأت فى صحيفة «الصباح» التونسية، حواراً مع سفيرة فنلندا فى تونس، تقول فيه بالعربى الفصيح إن الموقع المدهش الذى يحتله بلدها، فى الوقت الحالى، بين دول العالم، راجع إلى شيئين لا ثالث لهما، أولهما احترام القانون والخضوع له، كقيمة راسخة هناك، وثانيهما إدراك الحكومات الفنلندية المتعاقبة أن التعليم الجيد، وحده، ودون غيره، هو الطريق الوحيد إلى المستقبل المضمون لأبنائها ورعاياها.
قرأت هذا الكلام على لسان سفيرة تنتمى إلى بلد، هو الأرقى تعليماً فى العالم، ثم رحت أقارن بين معناه، وبين معنى أن يتخلف وزيرنا المسؤول عن اجتماع انعقد من أجل المهمة التى أشرت إليها، فأحسست بأن فجوة عميقة لاتزال قائمة بين حكوماتنا، وحكومات العالم المتطور، وأن كل ما نقوله عن مكانة التعليم فى دستورنا الجديد لا يساوى وزنه تراباً، ما لم يكن مقروناً بفعل على الأرض، وما لم يكن يصادف ترجمة حقيقية بين الناس!
ومن غريب الأمر أن يأتى هذا الغياب من جانبنا، فى وقت نظل نحن أحوج الناس فيه إلى أن نتواجد فى كل مكان حولنا، على كل مستوى، وأن يكون وجوداً له حضور، ومستنداً إلى فاعلية.
ثم من غريب الأمر كذلك أن يأتى مثل هذا الغياب ونحن على أبواب مرحلة المفروض أنها مختلفة تماماً عن كل ما سبقها فى حياتنا، والمفروض أن التعليم فيها يمثل أولوية لا تنازعها أولوية أخرى!
وعندما لمحت اسم الدكتور وائل الدجوى، وزير التعليم العالى، بين الأسماء الموجودة فى برنامج الاجتماعات السابقة والممهدة لاجتماع وزراء التربية العرب، ولم أقع له كوزير على أثر، أيقنت أن مصر لن تقوم بما ينبغى أن تقوم به، فى محيطها العربى، ما لم ينصرها أبناؤها ومسؤولوها قبل أى طرف آخر قد يساعد، أو يمد يداً بدعم، وأننا إذا خذلناها فلن يجدى معها أى عون آخر مهما كان حجمه، ومهما كان مستواه!
ولأن الدكتور عبدالله محارب، مدير عام المنظمة الراعية للمؤتمر، والتى تشتهر باسم «الألكسو» والتى نعرف أنها إحدى منظمات الجامعة العربية، أقول لأنه مصرى الهوى، رغم أنه كويتى الجنسية، فقد شعرت، من حوار سريع معه، بأن حزنه على عدم وجودنا هناك يكاد يفوق حزنى، وأنه يحمل هم تعليمنا، ربما بأكثر ما يحمله بعض مسؤولينا، وتلك قصة تستحق أن أعود إليها بإذن الله، لأنها موجعة، بقدر ما هى مؤسفة!
“بوابة مصر”