جبل الشعانبي .. لغز يحير التونسيين

شبّهه بعضهم بجبال تورا بورا في أفغانستان، أو هكذا يريد أن يحوله المتحصنون به. يعرف بجبل الشعانبي، ويعتبر أعلى مرتفع في تونس، إذ تبلغ قمته 1544 متراً. يقع في الوسط الغربي التونسي في ولاية القصرين التي قدمت أكبر عدد من شهداء الثورة، وتصنف ضمن الولايات التي عانت التهميش الاجتماعي منذ عشرات السنين.
لم يكن هذه الجبل يشغل أذهان التونسيين، إلا بكونه يضم محمية جبلية جميلة، تحتوي على 262 نوعا نباتيا، ويلجأ إليها سكان المنطقة للتنزه في فصل الربيع خصوصاً. لكن، بعد الثورة، تحول إلى ملجأ لأنصار ما تسمى السلفية الجهادية، للتدرب على السلاح.
في البداية، لم تعط حكومة الترويكا بقيادة حركة النهضة أهمية لذلك، على الرغم من تواتر التحذيرات، ما اعتبرته المعارضة يومها، ولا تزال، “تواطؤاً مع المجموعات الإرهابيـــة”. لكن، سرعان ما تبين أن تسرب بعض الغرباء إلى هذا الجبل لم يكن عفوياً، أو لمجرد ممارسة الرياضة، وإنما تواترت مؤشرات وأحداث، لتكشف عن وجود خطة محكمة، وبعيدة المدى، تهدف إلى تحويل منطقة الشعانبي إلى حصن عسكري، وقاعدة أساسية لإدارة معركة طويلة، يعتقد الذين خططوا لها أنها ستنتهي إلى إقامة “إمارة إسلامية” في تونس.
حدثت الرجة الكبرى قبل سنة، عندما انفجرت في شهر مايو/ أيار 2013 ألغام أدت إلى إصابات خطرة في صفوف عسكريين وأمنيين تونسيين، وبعد أيام، صعق الرأي العام عندما تعرض جنود لكمين في المكان نفسه، أسفر عن مقتل ثمانية منهم، بعضهم قتل ذبحا. وفي 11 إبريل/ نيسان 2014 تم إعلان منطقة الشعانبي، وما جاورها، من بعض الجبال الأخرى “منطقة عسكرية”. وكان جديد هذا الجبل مقتل جنديين وجرح خمسة آخرين، بسبب انفجار لغم تحت سيارتهم العسكرية. وهو ما يؤكد صحة ما ذهب إليه الوزير المعتمد لدى وزير الداخلية المكلف بالأمن، رضا صفر، عندما قال إن “تهديد الإرهاب تونس سيستمر سنوات طويلة “.
لا يعرف من نصح بالتمركز في هذا الجبل، لكن، بالتأكيد، يدرك الذين فعلوا ذلك أهمية هذه المنطقة، وتعدد كهوفها، والغطاء الواسع من شجر الصنوبر المساعد على الاختفاء، وكثرة الصخور التي يمكن أن تحمي من يتحصن بها. إلى جانب أنها تطل على الحدود الجزائرية التونسية، ما يفسر وجوداً مكثفاً لعناصر مسلحة حاملة للجنسية الجزائرية، وموالية لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي. ولهذا السبب، لم تتمكن وحدات الجيش المدعومة بقوات الأمن من تطهير الجبل، على الرغم من مرور سنة من الحصار والقصف واستعمال المدفعية والطيران. ومن أجل تعزيز القبضة وافتكاك المبادرة، انطلق الجيش التونسي منذ نحو شهر، في تنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق، غير مسبوقة، في تاريخ المؤسسة العسكرية التونسية، وصفت بأنها “نوعية”، عبر محاور عدة “وسط تكتم شديـــد”.
على الرغم من التحسن الذي لوحظ في الأوضاع الأمنية، بعد ضربات موجعة وجهت للمجموعات المتشددة، ولكن ما لم تتم السيطرة على جبل الشعانبي، فذلك من شأنه أن يجعل تونس مهددة باستمرار بحرب استنزاف طويلة.
“العربي الجديد”

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *