الكفر بالثورات العربية

بعد الفرح الشديد بنشوب الثورات في تونس ومصر خصوصاً، وتخيل واقع عربي جديد، انطلاقاً من تصورات لم تكن نتاج فهم الواقع، وكانت تنتج اليأس من أن “يتحرك الشعب”، انقلب الأمر إلى اعتبار أن ما جرى “مؤامرة”، أو أن الثورات قادت إلى وضع أسوأ. نشأ هذا الأمر بعد نجاح الإسلاميين في الانتخابات في تونس ومصر، حيث بدا أن الإسلام السياسي آخذ في السيطرة الشاملة.
قال بعضهم بفشل الثورات، وانطلق آخرون من أن ما جرى كان مخططاً “إمبريالياً أميركياً”، حيث دفعت أميركا الشعوب للثورة، من أجل تغيير النظم، نظمها التابعة لها، وكأن الثورات كانت الخيار الوحيد لتغيير هذه النظم. بالتالي، يُعزى نجاح الإسلاميين إلى “الدور الأميركي”، وأنا لست ممن يتجاهل الدور الأميركي في التوافق على إشراك الإسلاميين في السلطة، لكن كل نظرة واقعية للوضع قبل الثورات كانت تؤشّر إلى أن هؤلاء هم “قوة المعارضة الأقوى”، وبالتالي، كان طبيعياً أن يكون في السلطة بُعيد الثورات، وفي سياق ترتيب انتخابات سريعة، ومتحيزة لهم، وفي ظل غياب أي بديل آخر، لا ليبرالي ولا يساري، خصوصاً أن الثورات لم تسقط النظام، بل أزاحت رأسه عبر دورٍ من قوى فيه، كانت تعمل على الالتفاف على الثورة (تنفيس الثورة بتوهم انتصار، وإعادة ترتيب السلطة على أساس المصالح ذاتها).
السؤال الأساسي هنا هو، كيف أصبح هؤلاء قوة المعارضة الأساسية، لكي يستطيعوا أن “يقطفوا ثمار الثورة”؟ لاشك في أن انهيار القوى القومية واليسارية، ومجمل التجربة القومية والاشتراكية، كان يفتح الباب لـ”ملء الفراغ” الذي تحقق عبر تضخيم أدوار، قامت به “الإمبريالية” لأسباب واضحة، لكن ما يجب أن لا يجري القفز عنه أن كل “الممانعين والمقاومين” الذين يدافعون، الآن، عن وحشية السلطة في سورية، ويتحدثون عن “المؤامرة الإمبريالية”، وعن “صنع الثورات”، والذين كانوا جزءاً من عملية الانهيار تلك، قد عملوا على تضخيم الإسلاميين، وعلى “تبييض صفحتهم” لكأنهم صاروا الثوريين والديمقراطيين (لا ننسى أن بن لادن صار جيفارا في أوهامهم).
الخطاب “القومي اليساري” عمّم، انطلاقاً من “اقتناع ذاتي”، أن الإسلاميين هم من يقودون الصراع ضد الإمبريالية، وهم المقاومة التي ستحرر فلسطين (حركة حماس وامتداداتها)، وهم الذين سيقودون الصراع لإسقاط النظم. في الجهة المقابلة، بات هؤلاء الإسلاميين “حاملي مشروع حداثة” وديمقراطيين (بعد أن طوروا خطابهم كما جرى التبرير). لقد كان جلّ نشاط “القوميين واليساريين” منصباً على التحالف مع هؤلاء، من جبهة 18 أكتوبر في تونس، إلى كل التحالفات من أجل فلسطين، أو ضد التمديد والتوريث (كفاية مثلاً) في مصر، إلى فلسطين والتحلّق خلف حماس، والأردن التبعية لجبهة العمل الإسلامي، إلى “المؤتمر القومي الإسلامي”. وبات نقد الإسلاميين “خطاً أحمر” غير مقبول من كل هذه القوى.
إذن، كل هذه القوى كانت قد سلمت قيادها للإسلاميين قبل الثورات بسنوات، ومدحتهم ودافعت عنهم، وزوّرت في دورهم لكي يبدو كبيراً. وتقزموا خلفهم بعيداً عن فهم الواقع، وعن معرفة ظروف الشعب الذي يقولون إنهم يدافعون عنه. وكل ما تلا ذلك كان “طبيعياً”، فقد حملوا الإسلاميين إلى وضع سمح لهم بأن يصبحوا هم السلطة. لكنهم، في هذه اللحظة، ارتعدوا مما حدث، فبدأوا التشكيك في الثورات، وبات الأمر “مؤامرة أميركية”.
بالتالي، نجاح الإسلاميين كان “طبيعياً”، لكن سقوطهم كان حتمياً، وهذا ما أشرت إليه منذ البدء، منذ ثورة مصر الأولى.
“العربي الجديد”

اقرأ أيضا

الملك محمد السادس

بعد التقنين.. هيئة تكشف حصيلة سنة 2024 لاستعمالات القنب الهندي الطبية والصناعية

سجلت الجمعية المغربية الاستشارية لاستعمالات القنب الهندي بارتياح كبير، ارتفاع إنتاج القنب الهندي المقنن بالمغرب …

hq7

هند سداسي تتصدر “الطوندونس” بأغنيتها “مونوتون”

احتلت الفنانة المغربية هند سداسي، صباح اليوم الجمعة، المرتبة الأولى في “الطوندونس” المغربي، بفضل آخر …

حاولوا صيده.. دب يسقط من شجرة ويقتل خمسيني

قال مسؤولو الحياة البرية بولاية فرجينيا الأمريكية، إن رجلا من الولاية توفي بعد أن سقط …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *