من غير الوارد أن يعاود الموفد الدولي إلى الصحراء كريستوفر روس زيارة المنطقة، ما لم تطرأ تطورات جديدة، تعزز فرص التئام المفاوضات السياسية العالقة منذ فترة. لذلك من المثير أن يطفو على السطح جدل حول حظر زيارته المحافظات الصحراوية. فالعلاقة بين المغرب والأمم المتحدة كما باقي أطراف النزاع تقوم على بحث وتسريع إجراءات «الحل السياسي» الذي أقره مجلس الأمن وارتضته كل الأطراف.
وجود بعثة «المينورسو» في المنطقة يستند إلى قرارات دولية، في مقدمها مراقبة وقف النار ورعاية حظوظ التسوية السلمية، وطالما لم يحدث انتهاك خطر في الميدان، أصبح الحوار السياسي الإطار الوحيد الممكن لتجاوز عقبات المواقف المتباعدة. فقد التأم بعض فصوله في مانهاست في ضواحي نيويورك، وهو قابل للترحيل إلى عواصم وأماكن أخرى، من دون الحاجة إلى استكشاف وضع ميداني يراوح مكانه.
قد يكون حان الوقت لأن تنشغل بعثة «المينورسو» بالتوتر القابل للاشتعال في المنطقة العازلة، شرقي الجدار الأمني بين المحافظات الصحراوية ومخيمات تيندوف. ومنذ سريان وقف النار، اعتبر أي وجود عسكري أو مدني فيها محظوراً بقوة الاتفاق الذي رعته الأمم المتحدة، فيما خطة الاستفتاء التي كانت ضمن مسؤولية البعثة الدولية، لناحية تحديد قوائم المؤهلين للاقتراع المتحدرين من أصول صحراوية، لم تعد مطروحة إلا في نطاق طلب جبهة «بوليساريو»، على خلفية اقتراح الرباط منح الإقليم حكماً ذاتياً موسعاً.
سواء انصرفت تأويلات أطراف النزاع إلى ربط صيغة «الحل السياسي» بالاستفتاء أو الحكم الذاتي، فإن مرجعية القرارات ذات الصلة استندت إلى البحث في حل بديل. وليس هناك ما يلزم الأمم المتحدة باستنساخ أحكامها لفائدة هذا التفسير أو ذاك، طالما أن الفرقاء المعنيين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة شاركوا في الجولات الأولى من المفاوضات التي انطلقت وفق مفهوم «الحل السياسي». وبينما يصف المغرب القرارات الدولية لخطة الحكم الذاتي بأنها «جدية وذات صدقية» ترجيحاً لها، تتمسك «بوليساريو» بأن تقرير المصير يظل رهن الاستفتاء.
اقرأ المزيد: أربعون عاماً على نزاع الصحراء
لم تتعثر المفاوضات وتنته إلى جمود جليدي، إلا بسبب خلاصات الوسيط الدولي السابق بيتر فان فالسوم التي رأى فيها أن استقلال إقليم الصحراء «ليس حلاً واقعياً» قبل أن يضطر إلى التنحي نتيجة معارضة الجزائر و «بوليساريو» استخلاصاته. والحال أن كريستوفر روس لا يريد تكرار تجربة سلفه. لأنه تعلم المشي في حقول الألغام، واستبدل صيغة المفاوضات المباشرة باستمزاج الرأي، إلى حين ظهور بوادر مشجعة لاستئنافها رسمياً.
حين يقول وزير الخارجية المغربي صلاح الدين مزوار إن لا مجال لزيارة روس المحافظات الصحراوية الواقعة تحت نفوذ بلاده، إنما يعني أن الحوار في جوهره يجب أن يكون في العاصمة الرباط، وربما كان يعني بذلك أن الطرح الذي كان يعول عليه روس لجهة إشراك صحراويين كطرف ثالث لحلحلة المواقف باء بالفشل، أو ليس في إمكانه أن يحقق اختراعاً كبيراً.
الأقرب إلى الإحالة السياسية أن نزاع الصحراء يدخل عامه الواحد والأربعين، وهو في طريقه لأن يعود إلى المربع الأول، أي خلاف إقليمي يتطلب حواراً ومفاوضات من نوع آخر، وإذا كان صحيحاً أن الصيغة التي اخترعها جيمس بيكر بمواصفات الطرفين المباشرين المغرب و «بوليساريو»، وغير المباشرين الجزائر وموريتانيا، استنفدت معالمها من دون إحراز تقدم حقيقي، فالصحيح أيضاً أن منهجية المفاوضات تتطلب مفاوضين ينطلقون من فكرة أن استمرار النزاع بعد كل هذه الفترة ليس مجدياً. ولا بد من استبداله بمقاربة جديدة، ليس أبعدها أن تصبح منطقة الصحراء فضاء حوار وتعايش وتعاون، كما كانت في عهود سابقة، يوم لم تكن الحدود تفرق بين قوافل التجارة وتقاليد حياة الرحّل من أبناء الصحراء وجوارها الواسع.
*كاتب صحفي/”الحياة”