يحقُّ لرئيس موريتانيا الأسبق، أو المنقلَب عليه، معاوية ولد الطايع، أن يبتهج، ويفرح كثيراً، لما يحققه الاختراع الذي ابتكره من نجاحٍ عظيم في البلاد العربية، أعني الانتخابات الرئاسية التعددية. ذلك أننا، نحن المواطنين العرب، لم نكن نعرف تعدداً في المتنافسين في انتخابات رؤساء بلادنا، قبل أن يجترح ولد الطايع، جزاه الله خيراً، هذه النعمة، في 1992، لمّا أراد أن يُجدّد مكوثَه في رئاسة بلاده، ووجد أنَّ في وسعه ذلك، لا باستفتاءٍ ولا بمبايعة، بل بانتخاباتٍ يخوضها معه زملاء له في الترشح للمنصب، فيكون معهم من خيارات المقترعين. ولأن عطاءات الرجل كانت بلا حدود، منذ وصل إلى قصر الرئاسة في نواكشوط بانقلاب عسكري في 1984، فلا بد أن شعبه الوفي سينتخبه. هكذا أراد اللعبة أَن تكون، وهذا ما صار. وقد استنسخ بدعته تلك في جولتين انتخابيتين، تعدديتين أيضاً، تاليتين في 1997 و2003.
ارتاح أصحاب الفخامة العرب في تلك الغضون، لاختراع زميلهم، وأخذوا بالقانون الذي سنّه لهم، لما فيه من بساطةٍ، تغنيهم عن أي عبقريةٍ أو نباهةٍ، غائبتين غالباً، فموجزه أن الرئيس يبقى رئيساً في انتخاباتٍ لا يكون فيها وحده منفرداً، بل من الديمقراطية الظريفة أن يشاركه فيها حفنةُ أشخاص وديعين. عمد إلى هذا الأمر أولاً زين العابدين بن علي (ما أخباره؟) في تونس، ثلاث مرات أو أربعاً (ما الفرق؟)، بدأت في 1994، وإن لزم لهذه الوقائع (أو الملاحم الديمقراطية) إجراء تعديلات دستورية كانت ضروريةً بين وقت وآخر. أراد الحالة نفسها عمر البشير في السودان، ولكن، متأخراً في انتخابات 2010، كما أن الراحل ياسر عرفات أحبَّ، هو الآخر، هذا المزاج الرائق، فأجاز لمن يريد أن ينافسوه على رئاسة الفلسطينيين أن يفعلوا، فبادرت إلى ذلك سميحة خليل رحمها الله، في لعبةٍ ديمقراطية بزًّ فيها أبو عمّار أترابه من الرؤساء العرب في حينه، ومنهم علي عبد الله صالح الذي جدّدت له المواسم الانتخابية رئاسته، غير مرة، شارك في إحداها، نزولاً عند رغبة الشعب اليمني، على ما قال.
ولم يكن حسني مبارك ليسمح أن يتداول هؤلاء هذه اللعبة ولا يتفوق عليهم فيها، فأَعمل تعديلًا على الدستور المصري، يتيح مزاولة أبناء شعبه السباق إلى القصر الرئاسي، على ما كتبت جرائد قاهرية وقتها، فشاركه في واقعة 2005 الانتخابية اثنا عشر مرشحاً (على ما نتذكر)، أحدهم أعلن أنه انتخب مبارك، ولم ينتخب نفسه.
يُؤتى هنا على هذا الأرشيف المسلي، بمناسبة تجدد رئاسة عبد العزيز بوتفليقة في الجزائر، في انتخاباتٍ خاضها معه خمسة بينهم امرأة، وفاز، شفاه الله، لأن قانون معاوية ولد الطايع مضبوط، ولا يخرّ منه الماء، ولا يخرمه كرسيٌّ متحرك، يمارس منه بوتفليقة التصويت، ثم النجاح، ثم حلف اليمين، فليس في هذا القانون استثناء، أو احتمال آخر.
وجاءت هذه السطور على السادة بن علي ومبارك والبشير وصالح وعرفات (محمود عباس ورث الرئاسة الفلسطينية، ثم بقيت له في انتخابات رئاسيةٍ تعدديةٍ أيضاً)، بمناسبة ثلاثة مواسم انتخابية مرتقبة في الأيام المقبلة، سنلحظ فيها فائضاً وفيراً من الديمقراطية التي أطلقها ولد الطايع بكفاءة، فلا يحتاج المرء حذاقةَ الحارث بن حلزة ولا فراسة زرقاء اليمامة، ليؤكد أن أصحاب الفخامة، عبد الفتاح السيسي وبشار الأسد ومحمد ولد عبد العزيز، سيحتفظون برئاسة مصر وسورية وموريتانيا، على التوالي. ثمة تضييعٌ للوقت والمصاريف، في تهيئة الصناديق وترتيب طوابير الناخبين وتشكيل اللجان واستدعاء الإعلاميين والمصورين، لإعلان نتائج هذه الانتخابات العربية الباهرة. وثمة ضحكٌ كالبكاء، في المسخرتيْن السورية والمصرية، وأسى مؤلمٌ بشأن المذبحة في الشام، وخوفٌ صامتٌ بشأن السخف الحادث في مصر التي نحبّ، أما عن موريتانيا، فالقول لمعاوية ولد الطايع وحده تحديداً.
“العربي الجديد”
اقرأ أيضا
هند سداسي تفرج عن جديدها “Monotone”
أفرجت الفنانة المغربية هتد سداسي، مساء أمس السبت، عن أغنيتها الجديدة "Monotone"، وذلك عبر قناتها الرسمية بموقع رفع الفيديوهات "يوتيوب".
مجلس الأمن.. بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي
سلط وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الضوء أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، على إطلاق المغرب والولايات المتحدة لمجموعة الأصدقاء الأممية بشأن الذكاء الاصطناعي، بهدف تعزيز وتنسيق الجهود في مجال التعاون الرقمي، خاصة فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي.
الجامعة الملكية المغربية للفروسية تحتفي بأبرز فرسان وخيول سنة 2024
احتفت الجامعة الملكية المغربية للفروسية، أمس السبت، بالمعهد الوطني للفرس ولي العهد الأمير مولاي الحسن بالرباط، بأبرز فرسان وخيول سنة 2024.