للحب علامات يقفوها الفطن، ويهتدي إليها الذكي . فأولها إدمان النظر والعين باب النفس الشارع ، وهي المنقبة عن سرائرها ، والمعبرة لضمائرها ، والمعربة عن بواطنها . فترى الناظر لا يطرف ، ينتقل بتنقل المحبوب ، وينزوي بإنزواءه ، ويميل حيث مال . ومنها علامات متضادة وهي على قدر الدواعي ، والعوارض الباعثة والأسباب المحركة والخواطر المهيجة . والأضداد أنداد ، والأشياء إذا أفرطت في غايات تضادها ووقفت في انتهاء حدود اختلافها تشابهت ، قدرة من الله عز وجل تضل فيها الأوهام . فهذا الثلج إذا أُدمن حبسه في اليد فعل فعل النار ، ونجد الفرح إذا أفرط قتل ، والغم إذا أفرط قتل ، والضحك إذا كثر واشتد ، أسال الدمع من العينين . وهذا في العالم كثير ، فنجد المحبين إذا تكافيا في المحبة وتأكدت بينهما شديداً ، كثر تهاجرهما بغير معنى ، وتضادهما في القول تعمداً ، وخروج بعضهما على بعض في كل يسير من الأمور ، وتتبع كل منهما لفظة تقع من صاحبه ، وتأولها على غير معناها ، كل هذا تجربة ليبدو ما يعتقده كل واحد منهما في صاحبه . والفرق بين هذا وبين حقيقة الهجرة ، المضادة المتولدة عن الشحناء ومحارجة التشاجر ، سرعة الرضى ، فإنك بينما ترى المحبين قد بلغا الغاية من الاختلاف الذي لا تقدره ، يصلح عند الساكن النفس ، السالم من الأحقاد في الزمن الطويل ، ولا ينجز عند الحقود أبداً ، فلا تلبث أن تراهما ، قد عادا إلى أجمل الصحبة ، وأهدرت المعاتبة ، وسقط الخلاف ، وانصرفا في ذلك الحين بعينه إلى المضاحكة والمداعبة ، هكذا في الوقت مراراً . وإذا رأيت هذا من اثنين فلا يخالجك شك ، ولا يدخلنك ريبة البتة ، ولا تتمار في أن بينهما سراً من الحب دفيناً ، واقطع فيه قطع من لا يصرفه عنه صارف .ودونكها تجربة صحيحة وخبرة صادقة . هذا لا يكون إلا عن تكافٍ في المودة وائتلاف صحيح . ومن أعلامه أنك تجد المحب يستدعي سماع اسم من يحب ، ويستلذ الكلام في أخبارة ويجعلها هجيراه ، ولا يرتاح لشيء ارتياحه لها ، ولا ينهنهه عن ذلك تخوف أن يفطن السامع ويفهم الحاضر . – ومن وجوه العشق : الوصل ، وهوحظ رفيع ، ومرتبة سرية ، ودرجة عالية ، وسعد طالع ، بل هو الحياة المجددة والعيش السني ، والسرور الدائم ، ورحمة من الله عظيمة . ولولا أن الدنيا ممر ومحنة وكدر ، والجنة دار جزاء وأمان من المكاره ، لقلنا إن وصل المحبوب هو الصفاء الذي لا كدر فيه ، والفرح الذي لا شائبة ولا حزن معه ، وكمال الأماني ، ومنهى الأراجي . ولقد جربت اللذات على تصرفها ، وأدركت الحظوظ على اختلافها ، فما للدنو من السلطان ، ولا المال المستفاد ، ولا الوجود بعد العدم ، ولا الأوبة بعد طول الغيبة ، ولا الأمن بعد الخوف ، ولا التروح على المال ، من الموقع في النفس ما للوصل ، ولا سيما بعد طول الامتناع ، وحلول الهجر ، حتى يتأجج عليه الجوى ، ويتوقد لهيب الشوق ، وتتضرم نار الرجاء . وما إصناف النبات بعد غِب القطر ، ولا إشراق الأزاهير بعد إقلاع السحاب الساريات في الزمان السجسج ، ولا خرير المياة المتخللة لأفانين النوار ، ولا تأنق القصور البيض ، قد أحدقت بها الرياض الخضر ، بأحسن من وصل حبيب قد رُضيت أخلاقه ، وحُمدت غرائزه ، وتقابلت في الحسن أوصافه ، وأنه لمعجز ألسنة البلغاء ، ومقصر فيه بيان الفصحاء ، وعنده تطيش الألباب ، وتعزب الأفهام وفي ذلك أقول : وسائل لي عما لي من العمر : وقد رأى الشيب في الفوْدين والعذر أجبته : ساعة لا شيء أحسبه : عمراً سواها بحكم العقل والنظر فقال لي : كيف ذا بينه لي فلقد : أخبرتني أشنع الأنباء والخبر فقلت : إن التي قلبي بها عَلِقٌ : قبلتها قبلة يوم على خطر فما أعد ولو طالت سِنِي سوى : تلك السويعة بالتحقيق من عمري .
اقرأ أيضا
طالب بفتح تحقيق.. الجيش الملكي يحتج على تحكيم مباراته أمام الرجاء
أصدرت إدارة نادي الجيش الملكي لكرة القدم، صباح اليوم الأربعاء، بلاغا رسميا تحتج فيه على …
قطر تجدد تأكيد دعمها لمخطط الحكم الذاتي في إطار سيادة المغرب
جددت دولة قطر، اليوم الاثنين بنيويورك، تأكيد دعمها للمخطط المغربي للحكم الذاتي، واصفة إياه بالمبادرة “البناءة” والأساس “الموضوعي” لأي حل واقعي ومستدام للنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية.
البطولة الاحترافية.. الرجاء يطرح تذاكر مباراته أمام الفتح
طرحت إدارة فريق الرجاء الرياضي لكرة القدم تذاكر المباراة التي ستجمع الفريق الأحضر بالفتح الرياضي، …