في نشاط غير مألوف اجتمع سكان قرية امنتانوت عند سفح جبال الأطلس الكبير وسط المغرب، في دار الشباب في جو احتفالي، لتكريم بنات القرية القاصرات اللواتي افلتن من جحيم العمل في المنازل، عبر متابعة تعليمهن.
غالبية سكان هذه القرية الجبلية الواقعة في منطقة شيشاوة الأكثر تصديرا للخادمات في المغرب، حسب الأرقام الرسمية، باتوا اليوم مدركين لاهمية ارسال بناتهن الى المدرسة بدل ارسالهن للعمل في المنازل في مقابل أجر زهيد، بسبب العوز والحاجة.
وتقول هدى البوراحي رئيسة جمعية “انصاف” التي تساعد النساء والأطفال في وضع صعب ان هذا الوعي “نابع من تضافر جهود المجتمع المدني لإنقاذ الطفلات القاصرات”.
وتوضح البوراحي ان 250 فتاة قاصرة استفادت من برنامج “محاربة تشغيل القاصرات كخادمات”، الذي أطلقته جمعية “انصاف” سنة 2008 في منطقة شيشاوة.
وتقول أمل محسن المشرفة على برنامج جمعية “انصاف” في قرية امنتانوت بفخر “اليوم سنسلم شهادات تقديرية لـ60 فتاة من الفتيات اللائي تمكن من متابعة دراستهن”، وتضيف “لدينا اليوم أربعة فتيات يتابعن دارستهن الجامعية، وبعضهن اجتزن امتحانات الباكالوريا لهذه السنة”.
في منطقة شيشاوة تتابع حاليا أكثر من 33 قاصرة دراستها في المرحلة الإعدادية والثانوية رغم المشاكل والظروف الاقتصادية، فيما استفات أكثر من 100 طفلة من فرصة للتعليم الأولي.
ومن بين هؤلاء الفتيات، التي حضرت الى دار الشباب لتسلم شهادة تقديرة، مباركة (16 سنة) التي تدرس اليوم في السنة الثالثة ابتدائي، بعدما اشتغلت منذ سن الحادية عشرة لدى اسرتين مغربيتين في مدينتين مختلفتين.
وتقول مباركة بخجل “عملت لدى الأسرة الأولى وكان الإبن يصرخ دائما في وجهي ويعاملني بقسوة، أما الأسرة الثانية التي اشتغلت لديها، فلم أستطع تحمل سوء المعاملة وهربت. أما اليوم فأنا بخير بفضل مساعدة جمعية ‘انصاف’.”
لكن قبل تحقيق هذا الإنجاز خسرت قرية امنتانوت فتاتين قاصرتين لقيتا حتفهما لدى مشغليتهما، بسبب تعرضهما للتعذيب وسوء المعاملة.
الفتاة الأولى كان اسمها خديجة (7 سنوات)، وقد انتشرت صور جسدها النحيل في تموز/يوليو 2012، وقد تغير لون جلدها الى الأزرق والأسود بسبب التعذيب الوحشي على يد ابنة مشغلتها في مدينة الجديدة غرب المغرب، فقط لأنها غسلت قميص الزوج بشكل لم يرق للزوجة.
أما الفتاة الثانية فتدعى فاطمة (14 سنة)، ولقيت حتفها في آذار/مارس 2013 بعد تعرضها لحروق خطرة في مدينة أغادير جنوب المغرب، وحكم القضاء على مشغلتها بالسجن عشرين عاما، في ظل غياب قانون يحمي العاملين في المنازل.
واعدت الحكومة السابقة مشروع قانون لحظر هذه الممارسات، لكن البرلمان الحالي لم يصادق عليه بعد، وهو ينص على عقوبات بالسجن وغرامات مالية باهظة في حق أي شخص يشغل الأطفال دون 15 عاما كخدم في المنازل.
وكان المجلس الوطني لحقوق الإنسان في المغرب، قام في إطار رأي استشاري حول مشروع قانون يتعلق بـ”حماية حقوق العمال المنزليين ومنع استخدام الأطفال بالمنازل”، بتحديد السن الدنيا للعمل في خدمة المنازل بـ18 سنة.
وترى هدى البوراحي، ان “السجن لا يحل مشكلة تشغيل الفتيات القاصرات، بل يجب ايجاد برامج وقائية لمواكبة الفتيات القاصرات وتعليمهن وإعانة أسرهن الفقيرة، لأننا بكل بساطة لا يمكن ان نطرق أبواب جميع المنازل لمعرفة هل الخادمة قاصرة أم لا”.
وتوضح البوراحي “لقد اقترحنا على بسيمة الحقاوي (وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية) قبل قرابة سنتين، تبني برنامجنا، وتحسينه وتعميمه على باقي المناطق، باعتبار انه حقق نتائج ايجابية، وباعتبار ان الحكومة هي من يملك الإمكانات، لكن لم نتلق أي رد”.
وتظهر ارقام وزارة العمل المغربية ان المغرب سجل تقدما ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، اذ انخفض بشكل كبير عدد الأطفال الذين يعملون وهم دون الخامسة عشرة في مدة وجيزة من 600 الف الى اقل من 100 الف.
وتفيد آخر إحصائيات نشرتها منظمات المجتمع المدني المعنية بعمالة الاطفال في المنازل، فإن عدد الخادمات الصغيرات في المغرب يراوح بين 66 و88 ألفا، 60% دون 12 عاما.