يبدي العلماء المتخصصون في الأمراض السرطانية تفاؤلا غير مسبوق حيال التقدم الحاصل في الحرب ضد السرطان، لكنهم يعتبرون في الوقت نفسة أن العلوم الطبية وحدها ليست قادرة على التغلب على هذا المرض الناجم بجزء كبير عن أسلوب الحياة وعوامل بيئية واجتماعية أخرى.
وقال الرئيس المنتخب لجمعية “أمريكان سوسايتي أوف كلينيكال أونكولوجي” (الجمعية الأمريكية للأورام السريرية) كليفورد هاديس في تصريحات صحفية بأنه لم يكن علم الأمراض السرطانية يوما مثيرا للحماس كما هو اليوم، وذلك في اليوم الأول من المؤتمر السنوي للجمعية الذي يجمع أكثر من 30 ألف باحث وطبيب وممثل عن المختبرات الصيدلانية في شيكاغو بولاية ايلينوي شمال الولايات المتحدة.
وتحدث هاديس عن علاجات جديدة تستهدف بعض الوظائف في الخلايا السرطانية تسمح بمعالجة اورام سرطانية عدوانية مثل سرطان الجلد الذي لم يجد العلماء أي علاج جدي له إلا في السنوات القليلة الماضية، كذلك، أثبت العلاج المناعي القائم على إعادة برمجة نظام المناعة بشكل يسمح له بالتصدي للخلايا الخبيثة، قدرته على تحقيق نتائج واعدة جدا.
وتشاركت جيوتي باتل الاختصاصية في سرطان الرئة في كلية الطب بجامعة نورثويسترن في شيكاغو هذا التفاؤل مشيرة في تصريحات لوكالة فرانس برس إلى تحقيق “تقدم مذهل في السنوات الخمسين الأخيرة ادى إلى أن يكون لدينا في 2014 ما يقارب 14 مليون شخص يتعايشون مع مرض السرطان في الولايات المتحدة، وهو عدد مرشح لأن يتضاعف خلال العقود المقبلة”.
وتستمر نسب الوفيات المرتبطة بالسرطان في التراجع بـ1,5 في المائة سنويا منذ عشر سنوات، وكل شخص يتم تشخيص إصابته بالسرطان حاليا لديه آمال بنسبة 66 % في البقاء حيا بعد خمس سنوات، بحسب إحصائيات فيدرالية أمريكية.
وأوضحت هذه الطبيبة العضو أيضا في الجمعية الأمريكية للأورام السريرية التي تقيم هذا العام مؤتمرها السنوي الخمسين، أن “ما أثار الحماس الأكبر خلال السنوات العشرين أو الثلاثين الماضية هو فهم التركيبة الحيوية للسرطان، في جهد بحثي جماعي لتحديد كيفية تشكل التشوهات الجزيئية التي تميز الأورام السرطانية”.
وأشار ريتشارد شيلسكي المسئول الطبي في الجمعية إلى أن “القفزات العلمية في مجال الأبحاث السرطانية تحصل بوتيرة مذهلة، ما يؤدي إلى ظهور أدوية وعلاجات بسرعة غير مسبوقة”.
لكنه حذر من أن “هذا التقدم مهدد” جراء تراجع الميزانية التي يخصصها الكونجرس الأمريكي للمعاهد الوطنية للصحة لإجراء بحوثها بنسبة 23 % منذ 2001، إذ تمثل هذه الميزانية التي بلغت 28,9 مليار دولار في 2013 السبب الرئيسي لتمويل البحوث الطبية الحيوية الأساسية.
وشدد رئيس الجمعية كليفورد هاديس على أن “مواصلة استثمار الأمة في البحوث أمر ضروري لتحقيق تقدم أكبر في محاربة السرطان والإسراع في التقدم الحاصل حاليا”.
ولفت إلى أنه “يتعين علينا الاستفادة أكثر من معارفنا العلمية للتعاطي مع عوامل الخطر للإصابة بالسرطان في البيئة واساليب الحياة التي تزيد عبء المرض على البلاد”، متحدثا خصوصا عن التدخين ومشاكل الوزن الزائد والبدانة.
وأوضح هاديس أنه “في وقت كان التدخين لفترة طويلة أكبر عامل خطر للإصابة بالسرطان، باتت البدانة في هذا المجال مشكلة متفاقمة ليس فقط في الولايات المتحدة بل في باقي أنحاء العالم”.
وبحسب دراسة حديثة نشرت نتائجها مجلة “ذي لانست” البريطانية فإن ثلث سكان العالم يعانون من البدانة أو الوزن الزائد، ما يمثل بحسب هاديس خطرا للإصابة بعدد كبير من الأمراض السرطانية بينها سرطانا القولون والبروستات.
كما أشار في هذا الصدد إلى أن “البدانة اقتربت من التقدم على التدخين في الولايات المتحدة لجهة السبب الرئيسي الذي يمكن تفاديه للإصابة بالسرطان”.
من ناحيتها ذكرت باتيل أن “ثلثي السرطانات يمكن تفاديها من خلال تغيير أسلوب حياتنا ونظامنا الغذائي وعبر تقليص تعرضنا لاشعة الشمس”.
وشددت أيضا على الحاجة إلى القيام بحملات توعية لتعميم اللقاحات ضد فيروسات الأورام الحليمية المسئولة عن غالبية الإصابات بسرطان عنق الرحم إضافة إلى اللقاحات ضد التهاب الكبد الذي يمكن أن يتطور إلى سرطان في الكبد.
وأضافت الاختصاصية في الأورام السرطانية “يلزمنا تربية أفضل وتشريعات أكثر تشددا في مكافحة التدخين”.
وفي ما يتعلق بالبيئة، أظهرت دراسة حديثة أن النساء يتعرضن يوميا إلى 17 مادة كيميائية مسببة للسرطان من شأنها أن تزيد بوضوح خطر إصابتهن بسرطان الثدي، ثاني أكثر أسباب الوفيات بالسرطان انتشارا في الولايات المتحدة.