الفرن التقليدي موروث ثقافي في طريقه إلى الإندثار

يحظى الخبز بأهمية اجتماعية وتاريخية واقتصادية في كل مجتمع وهو عنصر أساسي في حياة الإنسان ،ويشكل عند المغاربة المكون الأول في كل مائدة، إذ يعتبر المادة الغذائية الأساسية التى تعتمد عليها غالبية العائلات والأسر المغربية.

 ففي أي حي أو في أي مدينة أول ما يتم بنائه بعد المسجد والحمامات نجد الأفران التقليدية لما لها من ضمانات للاستمرارية في الحياة والحفاظ على أسباب التوازن والبقاء وهذا يرجع إلي الاقبال الشديد عليها من طرف السكان.

الهندسة المعمارية للفرن التقليدي  

ذكر عدد من الباحثين المهتمين بالتراث المغربي أن الافران التقليدية موروث ثقافي له مميزات معمارية غاية في  الدقة والإتقان، إذ اهتدى صانعوا هذه الافران إلى جعلها في  طابق سفلي و أخرى في  طابق علوي وأغلبها مبلطة بمادة الزليج في مداخلها ومخارجها،هى لا تبعد سوى بمسافات صغيرة وأمتار قليلة عن المساجد والحمامات والأسواق الشعبية داخل الأحياء العتيقة.

مكونات الفرن الشعبي ومميزاته

تعتبر مادة الحطب المحرك والمزود الأساس لأي فرن في الطهي، و تتراوح درجة حرارته بين 200 درجة و250 درجة ويوضع الخبز علي الالواح الخشبية أو ما يسمي بالعامية المغربية بــــ ( الوصلة)، وبها يرمي الخبز داخل الفرن.

 طهي الخبز في الفرن التقليدي من العادات اليومية التي تواكب عليها كل عائلة فكانت علامة امتياز ويمكن أن نقول عنها أنها طقس ثقافي لا يمكن الاستغناء عنه خاصة وأن العادات التي تصاحب إعداده ، تشكل عنصر إلهام لكل باحت ومختص في دراسة أنماط العمل المنزلي، فكل منطقة لها أساليبها في تكوينه وتمر من مرحلتين أولهما تحويل الدقيق إلي عجين وثانيها استعمال مواد السكر والملح والخميرة فيتم اعداده على شكل دوائر كبيرة ثم توضع على صينية خاصة ( الطبك ) ويغطي بثوب ثم يؤخذ للفرن بعد فترة الافطار لكي يصير جاهزا مع الظهيرة ليوضع على مائدة الغذاء وجل المغاربة يحبون أكل الخبز ساخنا.

الخبز الذي يطهى في المخبزة الشعبية له مميزات كبيرة تتجلي في كونه مفيدا من الناحية الصحية وله نكهة خاصة وخال من أي مواد وعناصر كيميائية دخيلة علي المواد الطبيعية، لأنه أعد بنار الحطب الخالص، في الاونة الأخيرة تراجع الإقبال على الافران التقليدية بعد التحولات العميقة التي عرفها المغرب في بداية التسعينات والتى رجحت خدمة الأفران العصرية على نظيرتها الشعبية. فأصبح لكل منزل فرن عصري ذو خدمات جاهزة وغير متعبة في الاعداد والتحضير، كل هذا أدي إلي  تراجع الاقبال على الافران التقليدية والاستغناء عن خدماتها وساهم هذا في تغيير نمط عيش المغاربة حيث أصبحت المرأة المغربية تفضل شراء الخبز الجاهز أوطهيه في المنزل على أن تقوم بعجنه وإرساله الي الفرن.

التكنولوجية الحديثة تهدد استمرارية الأفران الشعبية

أفاد ميلود كريم العلوى عضو بجمعية سبعة رجال للمحافظة على التراث المغربي أن مهنة  مول الفران أو الطراح لم تنجو هي الأخرى من الغزو التكنولوجي، مشيرا في السياق ذات الى أن الطراح اقترنت به مجموعة من الصفات الحميدة، لدماثة خلقه، وبالإضافة الى وظيفته الاساسية فهو كذلك يقدم خدمات توجيهية لزوار الحي  إليه لسؤال عن عنوان منزل داخل الحى أو معرفة نسب عائلة،اضافة الى انه بمثابة مرشد لاهل الحي ، هذه المهنة العريقة في طريقها إلى الإنقراض بحيث لم تعد النساء في حاجة إلى طهي الخبز في الفرن التقليدي لغزو المخبزات العصرية في جميع الأحياء وكذلك الأفران المنزلية.

وفي السياق ذاته ذكر مصطفي 60 سنة يعمل  منذ صغره بفرن تقليدي أن هذا الاخير  لم يعد  كما كان في السابق نتيجة غلاء الأسعار وتزايد اعداد المخابز العصرية، مشيرا الى أن  هذه المهنة لا تغنى من جوع لقلة مداخيلها نتيجة استغناء غالبية الناس عن خدمات الفرن التقليدي، وقل  معها عدد الوصلات التي كانت تملئ باحة الفرن عن أخره فأغلب أرباب العمل قاموا بتغيير أانشطتهم التقليدية واعتمدوا مخابز عصرية توفر الخبز الجاهز بدون عناء وبمردودية أحسن مما أدى الى تراجع عدد الأفران الشعبية المتواجدة بمدينة  مراكش بعدما كانت رمزا من رموزها التاريخية.

صرحت ثريا ربة منزل أنها تشتري الخبز من مخبزة عصرية بإحدى الأحياء بالمدينة العتيقة،  ومن جهة أخرى فهى تحب الطهى بالفرن التقليدي لما  يحمله من نكهة خاصة غير أن الإشكال يكمن في بعد الفرن عن البيت، وامتلاكها لفرن منزلي، وتضيف ثريا أنها لا تحب الخبز الجاهز لما يسببه من مشاكل في الهضم، غير أنها تقتنيه لأن أولادها وزوجها  يفضلانه.

برغم من تراجع اقبال النسوة على الفرن الشعبي الا أن البعض منهن واظبن على الاستفادة من الفرن في طهي الحلويات أو الهيلاليات وغيرها، لكن هذا النشاط يظل مرتبطا بمنسبات معينة.

أدى هذا التراجع الملحوظ في الإقبال على الأفران الشعبية في إقفال بعضها وتغيير نشاط البعض الآخر، لتغيير عادات وتقاليد المغاربة وهو ما يدعو لنهوض بهذا الموروث الثقافى ودعمه لكي يستمر فهو رمز من رموز ثقافتنا، يحمل هويتنا كمغاربة و قضية المحافظة عليه تعزز هويتنا كمغاربة فالتقييم الصحيح للموروث الشعبي هو المحافظة عليه كما ورثناه عن الأجداد والأباء دون زيادة أو تغيير فالمحافظة على التراث هى مسؤولية الجميع وليست مسؤولية فرد أو وزارة أو جمعية.

 

 

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *