فقرة من قلب الصحراء تهتم بالتعريف بالموروث الثقافي الصحراوي من عادات اجتماعية، وتقاليد وتاريخ مدن الصحراء المغربية.
وسيسلط حاتم الوالي الباحث في ثقافة وتاريخ الصحراء في الحلقة الخامسة، الضوء على معالم مدينة آسا الزاك أحد أقدم المدن بالجنوب المغربي.
أسا الزاك: جذور عميقة وتراث غني
تعد مدينة أسا الزاك من أقدم المدن في جنوب المغرب، حيث يعود تاريخها إلى قرون طويلة.
وحسب ما أكد الباحث الوالي لمشاهد 24 فإنه لم يفلح الباحثون في تحديد المدينة زمنيا، لكن الأرجح من الدراسات الأركيلوجية للمجال أن الإنسان استوطن هذا المكان منذ عشرات القرون، والأدل على ذلك المنقوشات التي وجدت في “واد لخنك” ضواحي جماعة تويزكي القريبة لمدينة أسا.
وتقع المدينة في منطقة صحراوية قريبة من الحدود مع موريتانيا، مما منحها موقعًا استراتيجيًا جعلها محطة رئيسية للقوافل التجارية العابرة للصحراء الكبرى.
وكانت أسا الزاك حلقة وصل بين شمال أفريقيا ودول إفريقيا جنوب الصحراء، مما ساهم في ازدهارها كمركز تجاري وثقافي منذ القرن 16 ميلادي .
ولعبت أسا الزاك دورًا محوريًا في شبكة التجارة الصحراوية، حيث كانت تُنقل عبر المدينة سلع قيمة مثل الذهب والملح والتمور والمنسوجات. أسا الزاك دورًا محوريًا في شبكة التجارة الصحراوية، حيث كانت تُنقل عبر المدينة سلع قيمة مثل الذهب والملح والتمور والمنسوجات.
هذا النشاط التجاري جعل المدينة نقطة جذب للتجار من مختلف المناطق، مما أدى إلى تنوع ثقافي واجتماعي كبير. كما ساهم هذا التفاعل في تعزيز مكانة المدينة كواحدة من أهم المحطات التجارية في المنطقة.
تتميز أسا الزاك بتراث ثقافي غني، حيث تعتبر موطنًا للعديد من القبائل الصحراوية التي ساهمت في تشكيل هويتها، تشتهر المدينة بالفنون التقليدية مثل الموسيقى الصحراوية والحرف اليدوية، التي تعكس تاريخها العريق وتفاعلها مع الثقافات المجاورة. هذا التنوع الثقافي جعل من أسا الزاك مركزًا للإشعاع الفني والاجتماعي في المنطقة.
أسا والتطور العمراني
مع بداية القرن العشرين، شهدت أسا الزاك تطورًا ملحوظًا في بنيتها التحتية، حيث قامت الحكومة المغربية ببناء مدارس ومستشفيات وطرق معبدة لتحسين ظروف المعيشة للسكان.
كما أصبحت المدينة مركزًا إداريًا مهمًا في المنطقة، مما عزز من دورها كواحدة من المدن الرئيسية في جنوب المغرب.
اليوم، تعتبر أسا الزاك مدينة صغيرة ولكنها نشطة، حيث تعتمد على الزراعة التقليدية بشكل موسمي مرتبط بفيضان “واد درعة”. وتتمتع المدينة بتراث تاريخي وثقافي غني يجعلها وجهة للباحثين عن الأصالة الصحراوية.
بالإضافة إلى ذلك، يظل موقعها القريب من الحدود الموريتانية عاملاً مهمًا في تعزيز التبادلات التجارية والثقافية بين البلدين.
وتشتهر المدينة بموسم “ملكى الصالحين” الذي يقام سنويا مع “المولد النبوي الشريف”، حيث تنصب الخيام وتعد الإبل والخيول للإستعراض على تخوم قصر أسا، كما يجسد الموسم مظاهر الحياة اليومية للبدو الرحل وعاداتهم وتقاليدهم، بما في ذلك طقوس الضيافة والزواج والتعليم التقليدي (المحضرة) والطب الشعبي.
ويُعتبر قصر أسا واحدًا من أعرق المواقع الأثرية في إقليم أسا الزاك، حيث يعود تاريخ بنائه إلى ما يقارب عشرة قرون، و يقع هذا القصر العتيق بجوار واحة تُعرف باسم “واحة قصر أسا”، فوق تلال مرتفعة يصل ارتفاعها إلى 200 متر، تحيط به من الشرق والشمال مدينة أسا، بينما تحده من الغرب سلسلة جبال باني، ومن الجنوب تمتد الحمادة. على الرغم من أن القصر كان في الماضي مركزًا مزدهرًا على مشارف الصحراء، إلا أنه تحول اليوم إلى أطلال وبيوت محطمة بسبب هجرة معظم سكانه إلى مدينة أسا الحديثة.
لا يُعرف على وجه التحديد تاريخ بناء قصر أسا، لكن الوثائق التي يحتفظ بها السكان المحليون تشير إلى أنه موغل في القدم، حيث يُقدّر عمره بآلاف السنين.
يُعتبر هذا القصر أقدم بناء أثري في غرب الصحراء، مما يجعله موقعًا ذا أهمية تاريخية كبيرة. وفي انتظار ما قد تكشفه الحفريات الأثرية المستقبلية.
قبائل أسا الزاك
يقطن هذا المجال الصحراوي الشاسع قبيلة بني أوس الأنصار (قبائل أيتوسى)، التي تنقسم إلى 11 قبيلة، بقيمها الأصيلة وكرمها الذي يظهر في طقوس الضيافة، حيث يُعتبر تقديم الشاي للضيوف علامة على الحفاوة والاستقبال.
اليوم، تعتبر أسا الزاك مدينة صغيرة ولكنها حيوية، حيث تعتمد على الزراعة التقليدية والتجارة المحلية، وتتمتع المدينة بجوهرة تاريخية وثقافية تجعلها وجهة للباحثين عن التراث الصحراوي الأصيل، كما أن موقعها القريب من الحدود الموريتانية والجزائرية يجعلها نقطة عبور مهمة للتبادلات التجارية والثقافية بين البلدان الثلاث.