بقلم: عدي عبد الوهاب النعيمي*
مقدمة
يقول المفكرون الصهاينة: إن الحاجة لإقامة وطن قومي يهودي قديمه ظهرت بعد السبي البابلي على يد نبوخذ نصر ( 604 – 562 ق.م ) وكذلك اعتقاد المتدينين اليهود أن أرض الميعاد قد وهبها الله لبني إسرائيل وهذه الهبة أبدية ولا رجعة فيها، إلا إنهم لم يتحمسوا كثيراً للصهيونية باعتبار أن أرض الميعاد ودولة إسرائيل لا يجب أن تُقام من قبل بني البشر كما هو الحال بل يجب أن تقوم على يد المسيح المنتظر!
الأدب العبري الحديث لم يدون في لغة بعينها أو بلد بعينه وكما هو الحال مع أدب الشعوب الأخرى وذلك لان اليهودي منذ تشريده الأخير في القرن الأول الميلادي لم يستقر في وطن بعينه، كما انه افتقد اللغة العبرية التي نقل إليها كتابه المقدس، منذ القرن الثاني قبل الميلاد فاليهودي طريد وطن وطريد لغة والوطن واللغة هما الدعامتان الأساسيتان للأدب القومي.
إن الدور الذي لعبه الدين في حياة اليهود له اثر عظيم في تحديد الإنتاج الأدبي اليهودي حتى ((عهد التنوير)) وذلك لان معظم الجهود الذهنية قد بلغت ثمارها مستوى رفيعا في ميادينها الخاصة، ومع أن الديانة اليهودية ككل الديانات أفرادا وجماعات من أجناس وقوميات مختلفة إلا أن الفارق بينها وبين غيرها من الديانات، هو أن كل الديانات المعروفة والمنتشرة اليوم تعترف أنها من قوميات وأجناس مختلفة إلا اليهود فهم يصرون على نقاء دمهم، ثم أن الأحداث التاريخية تجدد مفاهيم هذه الديانة عبر فترات كثيرة وان المسألة التي تطرحها الحركة الصهيونية اليوم وطرحتها التوراة (المحرفة) والديانة اليهودية بالأمس، لم تعد تستهوي شعوب العالم ومفكريها، والذي يجب أن نفهمه ونعيه، أن الواقع الموضوعي للأدب والفن اليهودي (الإسرائيلي) لا يقوم كله على أسس دعائية.
الفصل الأول: مدخل إلى الأدب العبري الحديث
المبحث الأول: بداية الأدب العبري الحديث
الحديث عن الأدب العبري يستلزم إلقاء نظرة سريعة على نشأته بشكل عام، ويمكننا القول انه نشأ خارج الأراضي الفلسطينية بل وقبل قيام إسرائيل بأكثر من قرن ونصف القرن تقريبا.
يرى المؤرخ الإسرائيلي (يوسف كلاوزنر) أن مصطلح الأدب العبري الحديث يطلق على الأدب العبري اعتبارا من أواخر القرن الثامن عشر، وهو أدب علماني اتخذ مسارا جديدا يهدف إلي تثقيف اليهود في البلاد التي عاشوا فيها، ومن ثم كان ينبغي علىه أن يشابه شكلا ومضمونا سائر آداب الشعوب الأوربية، وقد اختلف النقاد والمؤرخون كذلك في تحديد بداية الأدب العبري الحديث، وهذا الاختلاف إنما جاء استنادا إلى اختلاف وجهات النظر التي يستند إليها كل واحد منهم في تحديد بدايته. ويرى ناقد الأدب العبري الحديث (لاحوفز) أن بداية الأدب العبري الحديث يمكن تحديدها من خلال النتاجات القصصية ذات الشكل أو المضمون الاوربيين ويعد (لوزاتو) في مقدمة الأدباء العبريين الذين برزوا في هذا الاتجاه في نتاجاتهم. ويدعم رأيه هذا بالقول: “يمكن أن نعرف الأدب العبري الحديث بأنه الأدب الذي كتب في غضون القرنين الأخيرين وكانت بداياته قبل النصف الثاني من القرن الثامن عشر” ويعلل لاحوفز وجود جوهر العلمانية في نتاجات لوزاتو بالقول (اتضح صدى الروح الحديثة في عدة نتاجات كتبت في ايطاليا من قبل الرباني (موشي حييم لوزاتو)، وهذا التعلىل يستند إلى العلمانية التي كانت قد صدرت بداية الأدب العبري الحديث، وفي هذا الاتجاه برز لوزاتو باعتباره الأديب العبري الأول في ايطاليا الذي ادخل مضمونا علمانيا في نتاجاته.
ومع أن معظم مؤرخي الأدب العبري الحديث يذهبون إلى علمانيته وهي السمة الغالبة على هذا الأدب إلا أن العنصر الديني قد وجد له تعبيراته داخل هذا الأدب، وهذا ما ذهب إليه الناقد العبري (باروخ كورتسفيل) حيث يقول في كتابه ((أدبنا الحديث: استمرار أم ثورة )): “في أدبنا الحديث، لا يمكن التحدث عن علاقة واحدة تجاه العهد القديم، إننا من حقنا أن نذكر أن الغالبية من أدبائه قد رأوا في كتابات العهد القديم ثمرة عبقرية الأمة وإنتاجا حيا”
أما الناقد والمؤرخ العبري( يوسف كلاوزنز) فقد حدد بداية الأدب العبري الحديث من نهاية القرن الثامن عشر وحتى نهاية القرن التاسع عشر، وان بداية تاريخ الأدب العبري الحديث بحسب هذا التحديد ينبغي أن تبدأ من حقبة (موشي مندلسن) _الأب الروحي للأدب العبري الحديث_ بعده رمزا لحركة الهسكالاه. لمدة قرن كامل على الرغم من أن ولادته واغلب نتاجاته كانت في المانيا وحيث أن هذه الحركة التي قادها مندلسن ساهمت بالابتعاد عن الديانة اليهودية الاورثوذكسية وخلق روح قومية تتوحد عن طريق الدين، في البداية حاولت حركة التنوير (1720_1785)_وهي حركة فكرية انطلقت من غرب أوروبا (إنكلترا وفرنسا) في القرن الثامن عشر, ورمز التنوير هو الشمس التي تشرق وتضئ كل شئ بأشعتها Lumen ingenii والضوء هنا مجاز يشير إلى العقل الذي أدى في هذا العصر دورآ حاسمآ , فشعار عصر التنوير: إن أي شئ نفعله ويمليه علىنا العقل هو بالتأكيد شئ طيب _صهر اليهود في المجتمع الأوروبي. حركة الإصلاح اليهودية التحررية في ألمانيا سعت من أجل جعل اختزال اليهودية في طائفة وان يتقبلوا الثقافة الألمانية .ولكن الأوضاع السياسية والاضطهاد اليهود أثبتت أنهم لايستطيعون الاندماج في الثقافات الأخرى.
المبحث الثاني: شخصية اليهودي والعربي في الأدب
المطلب الأول : شخصية العربي في الأدب العبري الحديث
من خلال نظرية الأدب العبري للشخصية العربية في فلسطين نلحظ وجود فرق بين الكتاب الذين ولدوا في فلسطين والكتاب الذين هاجروا إليها من أوروبا، وكذلك بين الكتاب الذين ينتمون لأحزاب اليمين المتطرف أو اليسار أو التيار المعتدل، فكان لكل أديب نظرته الخاصة للعربي وحياته وعاداته ومجتمعه، فمنهم من عرف العربي على حقيقته وأبرز حسناته وسيئاته، ومنهم من أغمض عينيه عن حسناته وأبرز سيئاته لإظهار العربي متأخرا متخلفاً، ومعظم ما كتب قبل عام 1948 لم يكن نتاج صلة وثيقة بالعرب، فقد اعتمد الكتاب على ما قرأوه في الكتب أو الصحف أو آراء مسبقة خاطئة عن العرب، لكن الخط الصهيوني بقي هو الغالب على النتاج الأدبي، حيث تميز بالنظرة المتعالية والسخرية والاستخفاف بالعرب واعتبارهم سذجاً وبسطاء، وتوضح النظرية مراحل ظهور الشخصية العربية في الأدب العبري الذي كتبه أدباء اليهود في فلسطين، على إن أدباء الهجرة الأولى أمثال (موشيه سميلانسكي) وغيره يصورون شخصية العربي كفرد جدير بالتقدير والفهم والتقليد في بعض الأحيان.
أما (بريز) الذي يعد رائد الواقعية في الأدب العبري في فلسطين، فلا يتعامل مع الشخصيات العربية كأفراد، بل نجده يراهم جوهرا عاما معاديا يهدد الوجود اليهودي الواهي، وتصور المنفى في فلسطين.
أما أدباء الهجرة الثالثة فقد تأرجحوا بين النظرة الرومانسية للأرض التي رسموها لأنفسهم قبل الهجرة وبين مرارة الواقع، بينما نجد أدباء جيل 1948 الذين ولد اغلبهم في فلسطين أو نشأوا فيها، لا ينظرون للعربي كفرد بصورته الواقعية الملموسة، بل يرونه شخصية في مواجهة المحارب،
فيما عرضت دراسات نقدية تطبيقية المحاولات الصهيونية لتشويه صورة الشخصية العربية أمام أطفال اليهود, يصف الأدب العبري فيها الشخصية العربية, بالخيانة , وفقدان الهوية, والتوحش, والتعطش للدم, والتخلف, والعربي المقولب- الذي يمكن أن يكون كل شيء إلا ذاته – وهذه الدراسات عمدت إلى تلخيص الحياة الأدبية في( إسرائيل) كما فعل (أيهود بن عيزر), حيث طرحت السؤال الكبير: لماذا تواصل العقلية الصهيونية تشويه صورة العربي أمام الأطفال اليهود؟ وتكريس العداء العرقي والعنصري لهم؟ ولماذا تقوم الصهيونية بتوريث دورها( كشرطي قمع وكلب حراسة) إلى الأجيال الجديدة عبر المنهاج المدرسي وقصص الأطفال.
من الواضح أن الصراع بين المشروع الصهيوني وبين العرب الفلسطينيين قد انعكس على الأدب العبري منذ أن وطأت أقدام المهاجرين الصهاينة أرض فلسطين، لكن المعالجات الأدبية للصراع اختلفت باختلاف الظروف والأحداث بين الطرفين؛ فقد شهدت فترة البدايات الأولى للهجرات والاستيطان الصهيوني النظرة الرومانسية للعرب الفلسطينيين.
فنجد أن (ميخائيل هلفرين) ينادي بالزواج المختلط بين العرب واليهود، ووصل الأمر إلى حد محاولة استعراب يهود فلسطين، أو محاولة دمج المجتمع العربي في المجتمع الاستيطاني الصهيوني بالادعاء أن عرب فلسطين هم في الأصل يهود ساقتهم الأحداث إلى تغيير ديانتهم.
ولكن ما لبث أن ساد إدراك عام بجذرية الوجود العربي الفلسطيني على أرض فلسطين، فنشبت الصراعات، وتحول العربي في الأدب العبري من بطل مغوار إلى عدو وجرثومة في صورة إنسان يحمل صفات التخلف والفقر كما يبدو ذلك في قصة (لطيفة) (لميلانسكي)، ويأخذ الثأر في قصة (أبو الشوارب ليتسحاق شامي)، ويرمز إليه بالحيوان كما في قصة (الصيف لموشي ستافي).
وبعد تأسيس كيان الاحتلال لقد وجد الأدباء أنفسهم متأرجحين بين المثل والأخلاق الإنسانية، وبين الواجب العسكري الذي يلزمهم بالقيام بأعمال القتل والطرد، وانعكس ذلك في أعمال بعضهم؛ حيث عبروا عن هذا الوضع الشائك الجديد، وأصبح الآخر يمثل لديهم مشكلة أخلاقية يصعب حلها، ومن أشهر الروايات التي عبرت عن الورطة الأخلاقية قصة (الأسير) للأديب (ساميخ يزهار) الذي خاض غمار حرب 1948م، وشارك في العديد من الأعمال الإرهابية ضد الفلسطينيين وبعد حرب يونيو 1967 ظهرت “محنة جديدة”، فعلى الرغم من الانتصار الكبير الذي حققته العسكرية الإسرائيلية إلا أنها أضافت أزمة جديدة هي أزمة الكابوس الوجودي، والذي بات العربي يمثل عناصرها بكل قوة، وظهر الفلسطيني في القصة العبرية في صورة العدو الذي لا يجب أن تخدعك مظاهره الخارجية؛ فهو يمكن أن ينقض علىك في أية لحظة، ومن القصص المعبرة قصة (نمل) 1968م، التي ترمز إلى أن الفلسطيني يحاصر ويعادي الإسرائيليين ثم ساهمت حرب أكتوبر عام 1973 في رسم صورة جديدة لجدلية العلاقة بين الأنا والآخر في الكتابات الإسرائيلية؛ فأظهرت أن العربي لم يكن إنسانًا جبانًا يهرب من ساحة القتال، بل هو محارب ند للجندي الإسرائيلي.
ولم يعد ذلك الإنسان البدائي المتخلف والساذج الذي دأب الكتاب الإسرائيليون على إظهاره في هذه الصورة السلبية قبل الحرب، ونلمس هذا التغير في رواية “العاشق” 1977م (ليهوشواع)، والتي تدور حول نعيم العربي الذي يسكن في بيت العجوز اليهودية (فدوتشا)، ويعمل في جراج يهودي يدعى آدم.. يقول الأخير: كان يبكي بالأمس، ويولول مثل كلب مسكين، أما الآن فهو يجلس منتصبًا وممتلئًا بالفخر، يأكل مثل سيد مهذب، وفمه مغلق، يأخذ هذا ويرفض ذلك، ولديه رأي مستقل! نظر عوز إلى الأنا اليهودي الصهيوني على نهج الهدف الذي وصفته الأيديولوجية الصهيونية، فجاءت مناقضة للآخر اليهودي الجيتوي، فصارت ترمز لليهودي المنتصب القامة والقوى، والذي يقوم بأعمال بطولية بمفرده، ويخشى على مصالح الكيان الذي هو فيه.
غير أن أعماله الأدبية حملت سمات لشخصيات أخرى وخصوصا اليهودي الإسرائيلي واليهودي الجيتوي؛ ففي قصة (بلاد بن آوى) تتجلى لدى أبطالها من اليهود الإسرائيليين معاناة نفسية، وشعور بالقلق الوجودي والانطوائية والقسوة والتأرجح بين الرغبة في السلام والخوف منه، وفي قصة البدو الرحل تظهر سمات القسوة والعنف والعدوانية؛ حيث كان العنف هو السبيل الوحيد للتعامل مع “العرب البرابرة” وكل شيء آخر لدى الفرد الإسرائيلي.
وفيما يتعلق بنموذج الشخصية اليهودية الإسرائيلية الجيتوية فقد هاجمها عوز ووصفها بالضعف والخنوع مثل: إنه أحدب.. ضعيف ومتمارض.. شاحب.. علىه علامات الشيخوخة مثل الرعشة والتجاعيد، ويرتدي ملابس بالية.. ديني تقليدي ثقيل، ويفتقد إلى اليقظة والنشاط..
وتظهر تلك الصفات في أعمال متعددة؛ ففي رواية عوز (لمس المياه.. لمس الرياح) يظهر فومرانتس الشخصية الرئيسة بأوصاف تدل على الضعف والخنوع، وفي روايته (مكان آخر) روج إلى أن الشخصية الجيتوية التي عاشت في الشتات وقعت ضحية لظلم الحكام، وفي قصة (اتجاه الريح)، يشعر الأبطال بالاغتراب والحنين إلى بلدهم روسيا.
وفي المقابل سار عوز في تناوله للآخر الفلسطيني في أعماله الأدبية على نهج الأدباء الإسرائيليين في نظرتهم السلبية والممقوتة للعربي الفلسطيني، وهي النظرة التي تحمل صفات التخلف والفقر والجهل… الخ، كما تشابهت ملامح (الآخر اليهودي الجيتوي) إلى حد كبير مع ملامح الآخر (الفلسطيني)، فكلاهما كان عنصرًا مهددًا للحلم الصهيوني على أرض فلسطين؛ على أساس أن اليهودي الجيتوي لا يصلح لمثل هذه المهمة الجديدة، وأن العربي الفلسطيني يعتبر حجر عثرة، وكيانا قائما غير صامت، يسبغ عوز على الآخر الفلسطيني صفات جسمانية سلبية؛ فنجد في قصة (البدو الرحل والأفعى): “كان هناك راع نائم أسود ككتلة البازلت، يضربك برائحته، جسده محنٍٍ وكتفاه محدودبتان”، وفي موضع آخر من القصة يقول: “كان جلده قاتمًا للغاية، إنه أغرب إنسان عرفته جيئولا.. ذو لون وطابع ورائحة غريبة”.
وانحصرت الأعمال التي يقوم بها الآخر الفلسطيني في البناء، ورعاية الغنم، والباعة المتجولين ذوي الحرف الحقيرة، أو في صورة من يسكن الصحراء في خيام، ويعيش في قرى عشوائية قذرة، ويسكن البيوت الحجرية المتداخلة، كما نعته بأنه متخلف وغير متحضر، يجلب معه المرض والقحط، ولا يعتني بنفسه أو ببهائمه، وبأنه لا يحترم جارًا ضعيفًا، ولا يفهم سوى لغة القوة، فتقول(حنة) عن التوءمين العربيين في رواية (عزيزي ميخائيل): “كنت أخضعهما بيد قوية”.
كما تناول أنماطا للآخر الفلسطيني مختلفة تمامًا عن تلك الأنماط التي تناولها في أعماله الأدبية؛ فقد تعامل معه على أساس أنه مثقف متحرر وليس متخلفًا أو سافك دماء ولصًا… الخ، فهو أستاذ جامعي يحاضر في الجامعات بالخارج، أو شاعر يبحث عن استعادة الهوية الثقافية ويتشوق إلى عودة الوطن، وسياسي يتطلع للسلام العادل. ويدعو إلى حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني على اعتبار أن حركة السلام الآن التي ينتمي إليها ترى أن تأسيس دولة للفلسطينيين سيبخر أسباب الصراع، وأن جميع الخلافات ينبغي أن تحل من خلال مفاوضات، وعدم اللجوء للعنف (المقاومة).
وفي المقابل كانت رؤية عوز للآخر الفلسطيني تنطوي على كثير من التناقض ما بين أعماله الأدبية وكتاباته السياسية؛ حيث إن ما طرحه في كتاباته السياسية عن حق الآخر في تقرير المصير، والدولة… الخ، يتعارض مع ما كتبه في أعماله الأدبية عن الملامح الخارجية والسمات النفسية والسلوكية للآخر العربي الفلسطيني.
ومن المفارقة أنه في كتاباته السياسية يؤكد أن لغة القوة مع الآخر الفلسطيني لا تجدي ولا تؤثر، في الوقت الذي يؤكد فيه في أعماله الأدبية أن العربي لا يفهم سوى لغة القوة، فيقول في كتاباته السياسية: إن الأحاديث الشائعة حول دفع جموع الفلسطينيين من هنا إلى الكويت أو العراق هي أحاديث في الواقع تافهة، ولكنه يقول أيضا على لسان إحدى شخصياته في روايته “صندوق أسود”: “أتمنى للعرب من كل قلبي أن يحظوا بسرعة العودة إلى وطنهم مثلما حظينا بالعودة إلى وطننا، أقترح علىهم الخروج من هنا باحترام ودون أن نسلب منهم شيئًا”!
العربي في الأدب اليهودي كما مر بنا آنفا مصبوغ بالصبغة السياسية، ولو أنها في اغلبها تصوره ذلك الإنسان المتوحش الإرهابي الذي يرفض العيش في سلام، ويجب إبادته إن لم يرض بالخروج والنفي. و نجد أن نظرة التعالي للكتاب اليهود قد زادت عن العربي، وكان همّ الأدباء وتوجهاتهم هي أن هذا ما وعد به الرب، وأن ما يفعله اليهود هو تنفيذ مشيئة الرب، وأن طرد العرب هو طرد للإنسان المتوحش القذر ولا بأس من طرد العربي إذا لم يكن مفيدا.
في أعقاب حرب 67 التي انتكس فيها العرب أصبحت لدى الكتاب اليهود مادة د سمة بحيث أظهروا اليهودي وكأنه اختيار الله، وأن العرب ليسوا ندا لليهود لا في فكرهم ولا ثقافتهم ولا شجاعتهم، ويبرزون في أدبهم الصور السيئة والسلبية للعربي مثل الزواج بالإكراه وضرب النساء وبيع النساء كالحمير في سوق الزواج.
وفي رواية يهودية يقول أحد العرب ” إنني أعرف لمن وعدت إسرائيل، لم يوعد بها سوى إسرائيل أولئك الذين وضع الرب فيهم المهابة والاحترام والقوة والبطولة والكرم والسخاء، ينفذون مشيئته عن حب، هم الذين سيملكونها وسيكون ملكهم فيها أبد الدهر “، هكذا بدأ حلم الأديب اليهودي أن يقول على لسان العرب ما لم يقولوه، فراح يتكلم بالنيابة عن الضمير العربي، بما لا يمكن أن يتحقق أو يقال، إذ أن مثل هذه الصور الايجابية المشرقة في الكتابات اليهودية تزرع في نفس اليهودي الطمأنينة على أن العرب بدأوا بالانفتاح على حقيقة وجود اليهود فوق ارض فلسطين العربية.
المطلب الثاني: اليهودي في الأدب العربي
ارتبطت الكتابة عن اليهود في الأدب الفلسطيني بالصراع العربي اليهودي، وكانت دائما صدى له، ومرآة تعكس مجرياته؛ فرغم وجود اليهود على أرض فلسطين قبل وعد بلفور، لا تظهر صورتهم في الأدب الفلسطيني- كجماعة مختلفة- إلا بعده؛ ذاك أن وجودهم كأقلية دينية لم يكن ليؤرق الكاتب الفلسطيني الذي لم ير فيهم خطرا إلا بعد ظهور الحركة الصهيونية، وأهدافها الرامية إلى تأسيس وطن قومي في فلسطين.
وقد اختلف الكتاب في تناولهم لشخصية اليهودي باختلاف مراحل الصراع معه، فعندما كان اللقاء به ممكنا بعد وعد بلفور وحتى 1948، وجدنا من ميز بين يهودي غربي وآخر شرقي، وبين يهودي وصهيوني كما فعل “وديع البستاني” في بعض أشعاره، كما وجدنا من اتخذ موقفا معاديا من اليهود كلهم معتبرهم أعداءه بالمطلق.وقد تأثرت الكتابة الفلسطينية عن اليهود بما كتب عنهم في الآداب الأوروبية، واستعارت بعض ما وصفوا به من حب للمال وفعل أي شيء للحصول علىه، دون تبكيت ضمير أو شعور بالذنب، كما ورد عن (شيلوك) في مسرحية(تاجر البندقية) لـ(شكسبير)، وهو ما بدا واضحا في رواية “الوارث” لـ(خليل بيدس) 1920، ورواية (في السرير) لـ(محمد العدناني) 1946، إضافة إلى وصف اليهود بعدم الاندماج مع غيرهم، الأمر الذي تناوله (نبيل خوري) في الجزء الثالث ( القناع) من (ثلاثية فلسطين)
ولا يعدم المرء في هذه الفترة وجود كتًاب صوروا اليهودي إنسانا له حياته، وعمدوا إلى إبراز جانب من هذه الحياة، فبدا إيجابيا تارة، وسلبيا طورا، كما فعل (نجاتي صدقي)، الذي صور الواقع كما هو، ولم يسقط رؤاه الفكرية علىه كما في قصتي (شمعون بوزاجلو) و(العابث) وبين عامي 1948-1967، وبعد تأسيس اليهود لكيانهم، اقتصر اللقاء اليهودي الفلسطيني على المصانع الإسرائيلية، حيث الفلسطيني عامل، واليهودي صاحب عمل يكيل له الشتائم، يجد المرء نفسه في هذه الفترة أمام نوعين من الأدباء على اعتبار المكان، أدباء الداخل، الذين بقوا في مدنهم وقراهم، وحملوا الهوية الإسرائيلية، وأدباء المنفى.
وبينما كتب أدباء الداخل بتحفظ وميل نحو الرمز خوفا من السلطات الإسرائيلية، كما فعل (توفيق فياض) في مسرحية (بيت الجنون)، تمتع أدباء المنفى بقسط من الحرية عبروا فيه عن مشاعرهم القومية التي استعرت تأثرا بالمرحلة الناصرية.
ورغم عثورنا في هذه الفترة وما بعدها على نماذج إيجابية وأخرى سلبية، ظل الكتّاب أسرى الحرب القومية بين العرب واليهود، فلم يستطيعوا خلق شخصية إسرائيلية واقعية؛ إذ أن أعمالهم كانت تهدف إلى الدعاية، حيث صوروا الإسرائيلي فيها جنديا في جيش العدو لا ملامح فردية له .
وقد عني الكتاب الفلسطينيون بالخلافات الطائفية في المجتمع اليهودي، والتمييز العنصري بين اليهود الشرقيين والغربيين، فصوروا اليهودي الشرقي متعاطفا مع العرب، لكنه لا يجرؤ على البوح بذلك، وهو ما فعله (عبد الرحمن الشرقاوي) في مسرحيته (وطني عكا) عندما وصف اليهودي الشرقي(سعد هارون)، كما عرضوا في قصصهم ليهود قادمين من بلاد عربية، يشعرون بالغربة وعدم الاندماج في المجتمع الإسرائيلي، مثل (راحيل) التي تتمنى زيارة العراق ولو ليوم واحد، في قصة(باكرا في هدأة الصباح) لـ(رياض بيدس).
وبعد هزيمة 67 التي كشفت الحقائق للفلسطيني، مالت قصص هذه الفترة وما بعدها إلى تسييس الشخصيات اليهودية وتصويرها وفقا لمواقفها السياسية، وليس وفقا لإنسانيتها ومكوناتها الشخصية من الداخل
وبعد انحسار اللقاء مع اليهود إثر الانتفاضة الأولى 1987، واقتصاره على اللقاء العسكري المتوتر مع الجندي المدجج بالسلاح، راح الأدب يصور مجريات هذه الفترة، واصفا معاناة الفلسطيني على أيدي الجنود والضباط مبينا قسوة هذا العدو ووحشيته الذي يقمع الصغار والكبار،كما ألغت هذه الانتفاضة أية صداقة كانت بين الفلسطينيين واليهود، وجعلت كلا منهما في مواجهة الآخر، الأمر الذي صورته قصص (غريب عسقلاني) (زائر الفجر) و (وردة بيضاء من اجل ديفيد)، حيث الصورة السلبية لليهود هي الطاغية في هذا الأدب
الفصل الثاني: العربي في نماذج من الأدب العبري الحديث
المبحث الأول: الشــــعر
مر الشعر العبري بأربعة مراحل وهي:
1_ المرحلة الأولى: وتسمى حقبة العهد القديم حيث كان الشعر فيها دينيا، ولا يلتزم بقافية أو وزن يعتد على فكرة التوازي.
2_ المرحلة الثانية: تسمى بالحقبة اليونانية: وظهر الشعر فيها متأثرا بالشعر اليوناني وأصبح اسمه(بيوط) والشاعر اسمه (بيطان) واستخدم بحور الشعر اليوناني.
3_ المرحلة الثالثة: تسمى بحقبة العصور الوسطى وظهر الشعر العبري فيها مقلدا للشعر العربي في الأندلس الذي امتد على مدى خمسة قرون من القرن الثامن إلى القرن الثالث عشر واستخدم أوزانا على غرار البحور العربية.
4_ المرحلة الرابعة: وفي هذه المرحلة التي ظهرت في القرن السابع عشر ظهر الانحطاط في مجال الشعر بشكل كبير إذ أن الكلاسيكية تدهورت حتى عند الايطاليين أنفسهم.
ويعد (عمانوئيل هارومي) من كبار الشعراء في ذلك الوقت الذي بقي ينظم أشعاره مستخدما الأنماط العربية الموروثة وكتب أشعارا باللغة الإيطالية، مثل (السونيا) (قصيدة من 14 بيتا) والتي كانت سائدة في الشعر الايطالي.
ولا بد من القول انه حدث تجديد في نظام الشعر العبري بحلول عصر الهسكالاه، وكان الهدف من وراء ذلك غلبة النغمة الصحيحة في الشعر المغربي، فقد وصفت النغمة مثلما هو مألوف في الشعر المغربي (العربي) لكن النغمة التي كانت سائدة في الكلام العبري حسب قواعد النحو هي أن توضع على الصدر والعجز. ورغم هذا إلا أن الشعر العبري سار على نغمة الشعر الغربي (الذي نعمته في الصدر)، ولم يبلغ الشعر العبري في الفترة الواقعة بين القرنين الرابع والتاسع عشر درجة من الرقي والازدهار، لكن هذه المحاولات الأدبية يمكن اعتبارها ظواهر ايجابية في مجال النتاج الأدبي اليهودي نظرا لانعدام عصر الاستمرارية هذا، ولم يكن الشعر اليهودي خالصا، إنما تعرض إلى التأثيرات الخارجية، ذلك لأنه نشا في بلاد وشعوب سبقت اليهود في مجال الآداب بمراحل عديدة ويمكن تسليط الضوء على احد الشعراء اليهود وهو الشاعر الروسي (يهودا ليف جوردون)* وشمل نتاجه الشعري نوعين أساسيين افرد لكل منهما عصرا معينا من حياته الأدبية اعتمد النوع الأول على الخيال، بينما اعتمد الثاني على الواقع وضم النوع الأول: الأناشيد والإشعار القصصية والتاريخية والحماسية، وشمل النوع الثاني قصائد قصصية أخذها من واقع الحياة اليهودية ومن قصائده:
استيقظ يا شعبي استيقظ
فإلى ما سيطول بك النوم
فالليل مضى والشمس على صدر الأفق
استيقظ وارفع عينيك
هناك .. هنا
واعرف أيامك ومكانك
* * * * * *
هل حقا قد وقف الزمن
واسترخت أبدا أجنحته
من يوم خرجت إلى إنحاء الأرض
أم إن فرق السنين
اللاتي لم تقبل … قد ولت
قد ولت عنك الحرية
وغدوت حليف التجوال
تلاحظ في قصيدة جوردن الاتجاهات الصهيونية ضد العربي، والتي يدعو من خلالها اليهود من كل العالم إلى التيقظ والتخلص من الشتات والسبات وإحياء الفكر الذي يدعو إلى إنشاء وطن قومي لليهود من خلال الهجرة إلى فلسطين.
المبــحث الثــاني
المطلـب الأول: الروايــــة
إن الكتاب والأدباء اليهود اقتبسوا الأساليب الغربية في الأدب كوضع الرواية وقرض الشعر العلماني وتدبيج المقالة الصحفية وبهذه الأساليب الأدبية أنتجوا كتابات بالعبرية محيين هذه اللغة إحياء ومكيفين إياها للاتجاهات الحديثة التي تخدم مصالحهم الصهيونية وتدعوا إلى الهجرة لفلسطين والى التعصب الصهيوني ضد العرب ومن هؤلاء الكتاب( ليائيل دانيالو) في روايتها (ولدان للموت) كمثال على ذلك:
كان الملف يحمل اسم (حاييم كالنسكي)، الذي ولد قبل خمسة وستين عاما في وارسلو والذي أصبح مواطنا ( لإسرائيل) ومقيما في مدينة بئر السبع منذ 1960 والى جانب الاسم والعمر ومحل الإقامة كانت هناك بعض تأشيرات الأطباء حول مراحل مرض السرطان الذي أصيب به المريض (حاييم كالسنكي) والذي أدى إلى وفاته، وبعض المعلومات عن أسرته التي تشير إلى انه يملك ولدا واحدا مقيما في تل أبيب- ورقم تليفون زوجته الثانية وابنته منها للاتصال بهما عند الضرورة.
كان شريطا كالطبيعة المتحركة، أعمدة التلفون، والأشجار.. وقباب البيوت التي نرى من خلالها زجاج نافذة السيارة، وكان (دانيال كالنسكي) يرى أن كل شيء يتحرك أمامه.. وهو ممدد فوق سريره وقد شبك يديه تحت رأسه .. الجدران تتحرك وتدور حوله كأنما الجدران تقوم بلعبتها الأثيرة، وهي الدوران حول الناس .. ودانيال الآن يتذكر الرسالة الأولى التي بعثت بها مريام كالنسكي .. أخته من زوجة أبيه الثانية والتي أخبرته فيها بانتقال والده إلى المستشفى وبالرغم من إنها لم تشر في رسالتها إلى خطورة مرض أبيه ألا أنها افترضت علىه أن يعجل بزيارة والده.
واخذ دانيال يقلب في أوراق ملف والده.. كأنه يريد أن يعثر على ذلك الخيط الذهبي الذي سقط تحت أنقاض خمسة وستين عاما.. وانه يحس هو الآخر انه تحت أنقاض شيء مبهم لا يدرك كنهه .. لقد ظهر والده فجأة، واحدث في حياته تلك الدوائر التي يشير إليها اللقاء حجر فوق سطح بركة ثم راحت الدوائر تضيق حتى تلاشت واستقر الحجر في قاع البركة .. واختفى حاييم الأب ثانية .. لماذا ظهر ذلك الأب، وهل علىه أن يظهر؟
وللمرة المليون راح دانيال يسترجع ملامح وجه بيتهم القديم في وارسو، البيانو الضخم وانية الزهور الزرقاء فوقه ولوحات أفراد العائلة المعلقة هنا وهناك فوق الجدران ثم تلك اللحظة التي رأى دانيال فيها والده يدفن كل ما ادخره من الذهب في ساحة البيت الخلفية في الوقت الذي أخذت فيه جنازير الدبابات لهتلر تعض شوارع وارسو..
إن دانيال لا يزال يتذكر يدي والده وهما تهيلان التراب وتسويان الأرض فوق الكنز الصغير، يتذكر دانيال هذا ويتذكر أيضا أن والده قد ارتدى في هذا اليوم أحسن حلله كأنه لا يريد أن يترك للألمان غير ثيابه وأحذيته القديمة.وكان حجرا قد ضرب زجاج النافذة .. وخيل لدانيال أن يحاول الدخول إلى حجرته من خلال الفتحة .. انه دائما يطل على والده وهو مصبوغ الوجه بالدم ولا يعرف دانيال لماذا يظهر والده له في هذا الشكل دائما.. ودانيال لا يمكنه أن ينسى اللحظة الأخيرة التي كانت آخر عهده بوالده.. وكأن تلك الذكرى بمثابة مسمار قد دق في جهته..
لقد جاءوا ذات صباح واقتحموا الباب، وبحركة لا إرادية امسك حاييم بيد ابنه الأكبر (شاموئيل)- احد عشر عاما- والذي امسك بدوره بيد أخيه الصغير (دانيال).
ونظر الضابط الألماني إلى الولدين وتمتم .. يا للولدين الجميلين.. ثم غرس عينه في وجه الأب حاييم وهو يقول:
أن علىك أن تختار..
أن يختار ماذا؟ ولم يفهم حاييم ماذا يعنيه الضابط الالماني بان علىه أن يختار؟ ولم يصدق ما يسمع حين ارتفع صوت ذلك الضابط:
ها .. من منهما سوف يبقى معك؟
من منهما سوف يبقى معهم .. هل هناك إذن من سيذهب والى أين؟ ولا يدري حاييم ما الذي فعله بعد ذلك لقد تشبثت يد ابنه الكبر شاموئيل تخشبت لولا.. ثم راحت تذوب كقطعه ثلج وحدق حاييم في وجه ولده الفاخر، ثم لدار وجهه ومضى دون أن يلتفت وراءه، لقد طلبوا منه آن يختار. إذا واحد من ولديه وان يأخذ هو الولد الآخر .. ولكنه لم يختر .. كل الذي حدث آن يد ولده الأكبر قد أمسكت بيده ولم يستطع من فرط الانهيار أن يفتح فمه بكلمة.
المطلب الثاني: نموذج من القصة في الأدب العبري الحديث
تعتبر القصة احد صور الأدب العبري الحديث، تناولت القضايا الدينية والاجتماعية والسياسية وعكست الواقع الفكري للفرد اليهودي وتعصبه ضد العربي.
ولعلني أجد في قصة (في الطريق إلى بيتي ورحلتي في الصحراء والبحر) أنموذجا جيدا لبحث القصة في الأدب العبري الحديث.
لكاتبها (حييم نحمان بياليك) :
كنت اخرج كل يوم قبل الغروب لأعود إلى بيتي مزودا بمثل هذه المعلومات الواضحة الدقيقة. كان زملائي يتفرقون بفرح وسرور متجهين إلى بيوتهم أو إلى ألعابهم، بينما أظل أنا وحدي في الطريق. وكان بيت والدي يقع في منعزل، بعيدا عن الضاحية، قريبا من المرج. وكان على لكي أصله آن أسير وحيدا في طريق رملية صعبة، تمتد بين أسراب الشجر فوق ارض مقفرة ليس علىها بيت، وان اجتاز مكانا خطرا في منتصف الدرب: جسرا صغيرا ممتدا فوق قناة الماء، تقول الإشاعات أن جنيا صغيرا من طائفة المهرجين اتخذ له تحته مسكنا. صحيح انه يروى بان الجني الصغير يتساهل مع الأطفال ولا يمسهم بالأذى. ورغم ذلك فإنني حين أرى الاهليل الذهبي لنور الشمس المقاربة تختفي عن رؤوس الأشجار رويدا رويدا – يذوب قلبي هلعا فمن وراء النهر، من المرج، يتناهى الى ساعتها صوت خفي يصرخ (كوكو)- فيخيفني قليلا وأنا اسير وحدي ببطء بين صفوف الشجر الممتدة على جانبي الطريق. وكانت بقع نور حمراء زاهية تنعكس لامعة على، بينما تكون قدماي غارقتان في الرمل وروحي الآسية تحلق بي إلى آفاق بعيدة..
الخاتمـــــــــة
يمكن القول أن الأدب العبري الحديث بانوا عه (الرواية/ القصة/ الشعر) تناول العديد من المسائل التي عكست واقع حياة اليهود الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وتناول الأدب العبري جميع نواحي الحياة اليهودية ابتداء من فكره وانتهاء بشخصيته العامة.
لقد كان للأدب العبري الحديث سمة الانغلاق على نفسه دون التأثر أو التأثير بغيره من الأدب الغربي الأوربي، على الرغم من ظهوره وانتشاره في الجيتوات. ومن خلال اطلاعنا على النماذج العبرية نلاحظ وجود أفكار عنصرية عدوانية شوفينية تعصبية وبعض من هذه الافكار تدعي إلى تفوق العنصر اليهودي وعدم اكتفائه بهذه المعطيات وكذلك لا يمكننا اعتبار الأدب اليهودي (العبري) أدبا إنسانيا بل يعكس الفكر الصهيوني العنصري وهو احد أدوات الحركة الصهيونية، استغلته لتحقيق لهدافها رغم أن نشأته سبقت نشوء الحركة الصهيونية.
ومما نراه أيضا في الأدب العبري الحديث ظهر اليهودي التائه،الذي يمثل ادعاءاتهم الكاذبة حول الوطن القومي لليهود، وكان أول ظهور له في قصة البطريرك الأرمني التي تلاها في سانت البانز عام 1228 عن رجل يقال أنه شاهد صلب المسيح وأنه محكوم من قبل المصلوب بالتجول في العالم إلى يوم القيامة واسم هذا اليهودي كارتا فيلوس، وكان يعمل بواباً على باب المحكمة التي حكمت بصلب المسيح و أثناء خروج المسيح ضربه كارتا فيلوس على ظهره، ومع إساءة هذا اليهودي إلى المسيح فإن شخصية اليهودي التائه انقلبت إلى شخصية محببة في الذهن الشعبي الأوروبي، ثم انقلبت في القرن السادس عشر إلى شخصية تجلب النحس. لان هذه الفكرة تبين أن اليهودي لا يملك وطنا يحميه ولهذا فهو انساب تائه، وكان الخوف من انتشار هكذا فكرة للعالم حتى لا تنفضح نواياهم عن الادعاء بحقهم بفلسطين وهذه الفكرة تبين أن اليهود ليس لديهم أي شي في فلسطين وان العرب هم أصحاب الأرض وسادتها.
المستخلص
تناول الأدب العبري الحديث بأنواعه (الرواية/ القصة/ الشعر/ المسرحية ) العديد من المسائل التي عكست واقع حياة اليهود الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وكما هو معروف فان الدين لعب دوراً كبيرا، خاصة في تحديد الإنتاج الأدبي اليهودي.
وهذه الدراسة تسلط الضوء على اتجاهات الأدب العبري وتأثيراته الإقليمية.
*بكالوريوس آداب مسماري، مركز الدراسات الإقليمية، جامعة الموصل