واجهت الحركة العربية لحقوق الإنسان تحديات جديدة في الثلاث سنوات ونيف الماضية، وخصوصا بعد حركة الاحتجاج الواسعة التي شهدها العالم العربي والتغييرات الكبيرة التي عصفت بالعديد من الأنظمة العربية، منذ مطلع عام 2011 ورحيل الرئيس زين العابدين بن علي عن تونس وتنحّي الرئيس محمد حسني مبارك في مصر، وبعدها ما حصل في ليبيا بالإطاحة بنظام القائد معمّر القذافي، خصوصا.
وجاء التغيير مترافقا مع التدخل العسكري لحلف الناتو، وما تركه من انعكاسات لا تزال تأثيراتها السلبية قائمة حتى الآن، ولا سيّما الفوضى والعنف اللذان لا مثيل لهما، ثم اضطرار الرئيس اليمني علي عبد الله صالح إلى التخلي عن موقعه لصالح نائبه بفضل تدخّلات مجلس التعاون الخليجي، وأخيرا الحرب المستمرة والمستعِرة في سوريا، التي بدت وكأنها مصارعة على الطريقة الرومانية، دون أن تجد حلاّ منظورا لها، سواء في جنيف1 أو جنيف2، باستمرار الإرهاب والعنف والحرب الأهلية، وكل ذلك دفع الوسيط الدولي الأخضر الإبراهيمي إلى تقديم استقالته لشعوره بعدم جدوى استمراره.
ولعلّ تلك التطورات السريعة والدراماتيكية وجدت طريقها إلى الحوار والجدل وربّما الاختلاف في إطار الحركة العربية لحقوق الإنسان في مؤتمر مهم في القاهرة وبمشاركة نخبة متميّزة من الخبراء والباحثين والكتاب.
ويعود بعضها إلى خلفيات الحركة ومرجعيتها وعلاقتها وموقفها من قضية التغيير ومن موضوع استقلاليتها ومهنيتها ودورها الحالي والمستقبلي، أي أن بعض التحدّيات القديمة أو السابقة تموضعت لدرجة الإشكالية متّخذة شكل تحدّيات راهنة ومستقبلية، وخصوصا العلاقة بين السياسي والحقوقي وبين السياسي والاجتماعي، ثم في جدل الداخل والخارج والخاص والعام، لا سيّما من حيث الأهداف والوسائل، إذ لا يمكن فصل الغاية عن الوسيلة، وحسب الزعيم الهندي مهاتما غاندي فإن الوسيلة من الهدف مثل الشجرة من البذرة، ولكي تكون الغايات شريفة، فلا بدّ من وسائل شريفة للوصول إليها.
لا زالت تضاريس حقوق الإنسان على الخارطة السياسية العربية وعرة وغير سالكة في الكثير من الأحيان، وتستوجب تيسير السبل وإعمال الفكر وإمعان النظر في زواياها المختلفة كي يتم توطينها، ولا سيّما بزيادة المناعة الوطنية، فالغذاء والتعليم وفرص العمل والخدمات الصحية والضمانات الاجتماعية لدى المواطنين هي الشغل الشاغل، في حين تركّز النخبة على قضايا مثل حرّية التعبير وإغلاق صحيفة أو تغييب مفكر أو سجناء رأي أو إعلان حالة الطوارئ أو استمرار الأحكام العرفية.
وقد وجدت حركة التغيير التي انطلقت في موجة ما سمّي الربيع العربي هذا التداخل العفوي ولكنه العضوي بين الأهداف والمنطلقات، فحملت شعارات الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وهي الشعارات العامة التي كانت مشتركا لجميع حركات الاحتجاج في العالم العربي.
وتواجه الحركة العربية لحقوق الإنسان اليوم أربعة تحدّيات رئيسية هي:
التحدّي الأول: محاولة الحكومات تدجينها أو احتوائها أو تبهيت لونها. وهذا هو التحدّي الأساسي من خارجها، وهو أخطر تحدّ لأنه يتعلق بصدقيتها.
التحدّي الثاني: محاولة الحركات والقوى السياسية احتواءها لكي تكون واجهة سياسية ضيّقة لهذه الجهة أو تلك أو لهذا الحزب أو التيار السياسي أو الديني أو الطائفي أو ذاك.
وإن كانت بعض المعارضات تحاول توظيفها بالاتجاه الذي يخدم أهدافها، إلا أنها لا تدرك خطورة هذا النهج حتى وإنْ شكّل كسبا سياسيا آنيا لها، لكنه سيجعلها تفقد صدقيتها ويعطّل دورها لكي تكون مرجعية ذات حيدة ونزاهة، يمكن التعامل معها تدريجيا وهدفها الدفاع عن قضايا حقوق الإنسان ضد أي انتهاكات سواء من الخارج أو الداخل، أي من الجهات الرسمية أو بعض الحركات المسلّحة التي تعتمد على العنف كأساس في تعاملها لتحقيق أهدافها السياسية، وفي ظلّ غياب الحريات وانعدام فرص الحوار وسماع الرأي الآخر.
التحدّي الثالث: انتحال دورها، وهو ما تسعى بعض الحكومات والمعارضات القيام به، وذلك بتشكيل هياكل منظمات وجماعات ومكاتب باسم حقوق الإنسان تكون تابعة وتهدف هذه إلى نشر أفكارها والترويج لها ولدعايتها السياسية بما يؤدي أحيانا إلى التشويش على حركة حقوق الإنسان وخلط الأوراق.
التحدّي الرابع: محاولة بعض القوى الأجنبية توظيفها بما يخدم أهدافها ومصالحها الدولية والإقليمية، سواء عن طريق التمويل أو بعض الأجندات الخاصة.
وفي هذا المضمار تبرز بعض المحاولات لإغراء بعض العاملين في ميدان حقوق الإنسان وممن يحتلون بعض المواقع، لكي يبرّروا أو يخفّفوا النهج المناوئ لحقوق الإنسان للحكومات والجماعات السياسية التي تحاول التأثير عليهم، بما فيها الجهات الدولية، بحيث تأتي نبرة النقد خافتة وغير مؤثرة، وفي ذلك أحد التحدّيات التي تؤثر على صدقية الحركة.
وبقدر حفاظ الحركة العربية لحقوق الإنسان على هوّيتها المستقلة، وعلى وضع مسافة مناسبة بينها وبين الجهات المتصارعة، وعدم خضوعها للضغوط من أي كان حكومات أو جهات سياسية أو جماعات تمويل خارجية تستطيع أن تقدّم خدمة لقضايا حقوق الإنسان وتكون جهازا حقيقيا للمراقبة والرصد.
ويمكنها حينئذ أن تنشط في إدارة حوار فكري معرفي بين التيارات المختلفة تحت راية حقوق الإنسان. وأعتقد أن جميع الأطراف يمكن أن تلتقي وتتحاور عند نقطة حقوق الإنسان.
ورغم وجود خلافات حول محتوى وجوهر حقوق الإنسان من حيث عالميتها ومحليتها، وخصوصيتها القومية والثقافية وشموليتها، بمعنى المعايير التي يمكن اعتمادها، فإن الحوار سيكون مفيدا في هذا الميدان أيضا.
ويمكن للحوار أن يشمل الحكومات أيضا، إلى الفاعليات الفكرية والسياسية والثقافية، وأعتقد أن الحوار هو السبيل الوحيد لإنضاج مواقف تحمي جميع التيارات بإقرار تعايشها والإقرار بالتعددية وتنوّع الاتجاهات وحق الجميع في العمل والدعوة لأفكاره، وحق الجميع في الانتقال السلمي إلى مواقع الحكم ومغادرتها بصورة سلمية، بحيث يكون صندوق الاقتراع هو الفيصل في شرعية أي حكم، ولعلّ ذلك سيصب في عملية التنمية المستدامة بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية والتشريعية وغيرها.
ولمواجهة هذه التحدّيات تبرز أربعة اتجاهات تتفاعل وتتفق وتختلف، من حيث الشدّ والارتخاء، بحيث تستمر في تجاذب حركة حقوق الإنسان العربية وهي على النحو التالي:
الاتجاه الأول: يمكن أن نطلق عليه “الاتجاه التصادمي”، إذ تميل بعض المؤسسات إلى اتخاذ مواقف حادة داعية إلى المواجهة والقطيعة بين الحكومات وحركة حقوق الإنسان، وهو بتقديري اتجاه انعزالي يغلب عليه طابع التسييس، أي التأثر بالمواقف والخلفيات السياسية، وهذا الاتجاه أقرب إلى اتجاهات بعض المعارضات أو يخضع لبعض تأثيراتها.
الاتجاه الثاني: وهو ما يمكن أن نطلق عليه “الاتجاه التساومي” أو “التخادمي”، حيث تسعى السلطات لاحتواء أو تدجين حركة حقوق الإنسان، كما يسعى بعض العاملين في هذا الميدان وبحجة “الواقعية” إلى التخلي عن بعض المنطلقات المبدئية كالاستقلالية والحيادية وغيرها بحجة الابتعاد عن السياسة، فينصرف إلى تأييد مواقف الحكومات ويبرّر لها بعض الانتهاكات، وغالبا ما تبتلع الحكومات مثل هذه المؤسسات التي يضعف تأثيرها على المجتمع. ويمكن أن نطلق على مثل هذا التوجه “الاتجاه التخاذلي” الذي يريد الانصياع للحكومات، بحجة عدم إمكانية تحقيق أهداف الحركة إلاّ بالتفاهم معها.
الاتجاه الثالث: يتراوح بين التغريب والتقليد، ففي حين يميل البعض إلى كل ما هو غربي باعتباره ينسجم مع حقوق الإنسان، ينغلق البعض على الماضي رافضا كل ما يأتي منه، بحجة الاستتباع.
الاتجاه الرابع: وهو ما يمكن أن نطلق عليه الاتجاه التصالحي أو “الاتجاه التفاهمي” أو “التوافقي” الذي يسعى إلى فتح حوار مع الحكومات وصولا إلى المداولة والشراكة، وذلك بعيدا عن التصادم أو التخاذل والتخادم.
وبتقديري، فإن هذا الاتجاه هو الأقرب إلى العقلانية والمهنية والنظرة الإستراتيجية بعيدة المدى، وهو يقوم على النقد والتعاون، أي التطوير عبر التدرّج والتراكم وصولا للتغيير في المجالات المختلفة.
فمؤسسات المجتمع المدني وحركة حقوق الإنسان بطبيعتها لا تسعى للوصول إلى السلطة، كما هي ليست جزءا من الصراع السياسي، وهدفها ينحصر في تطوير المجتمع والدفاع عن حقوقه.
“الجزيرة”
اقرأ أيضا
الجامعة الملكية المغربية للفروسية تحتفي بأبرز فرسان وخيول سنة 2024
احتفت الجامعة الملكية المغربية للفروسية، أمس السبت، بالمعهد الوطني للفرس ولي العهد الأمير مولاي الحسن بالرباط، بأبرز فرسان وخيول سنة 2024.
النسخة الأحدث والأكثر تطورًا.. المغرب يحصل على صواريخ “جو-جو”
أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية قرارًا بالموافقة على صفقة بيع عسكرية محتملة للمملكة المغربية تشمل صواريخ جو-جو متوسطة المدى متقدمة ومعدات ذات صلة، بتكلفة تقديرية تبلغ 88.37 مليون دولار. وفق ما ذكره موقع defense-arabic المختص في أخبار التسلح والصفقات العسكرية.
التقاط صورة يصبح كابوساً.. طالبة تُصاب بأزمة قلبية بسبب صعقة كهربائية
توقف قلب طالبة جامعية عندما تعرضت لصعقة كهربائية أثناء التقاط صورة في حديقة لندن، حسبما …