طفت إلى السطح خلافات داخلية تجاوزت اصداؤها أسوار مقر حزب العدالة والتنمية في حي الليمون بمدينة الرباط،ووصلت إلى اعمدة الصحافة،مشيرة إلى أن هناك شيئا ما،غير طبيعي يتفاعل ويكبر يوما يوم بعد يوم،داخل هذا التنظيم،وقد تكون له عواقب وخيمة إذا لم يتم تدارك الموقف،بالحكمة والرزانة،بعيدا عن الانفعالات والتشنجات. والملاحظ أن بعض الأسماء القيادية والوزازنة داخل حزب “المصباح”، بدل أن تسلك سبل التهدئة،لجأت إلى نهج أسلوب التصعيد،واستعمال تعبيرات ومصطلحات غريبة عن أدبياته السياسية،والتلويح بإمكانية التصدي مستقبلا لحكومة الدكتور سعد الدين العثماني،تحت قبة البرلمان،أثناء عرض برنامجها الحكومي. وتجري كل هذه التطورات تحت أنظار وسمع عبد الإله بنكيران،الأمين العام للحزب،ورئيس الحكومة المكلف سابقا،الذي يبدو أنه فضل الصمت،وعدم التدخل واستعمال نفوذه من اجل التهدئة،لأن ذلك ربما يتجاوب مع ما يتفاعل داخل نفسه،بعد قرار إعفائه. وقد نتج كل ذلك،في نظر بعض أعضاء الحزب عن تجاهل العثماني للأمانة العامة، وعدم إشراكها أو وضعها في الصورة،وانفراده بالمفاوضات مع زعماء الأحزاب السياسية ،إضافة إلى قبوله دخول الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في الحكومة الجديدة،متجاهلا موقف بنكيران من حزب “الوردة”. ومن المآخذ المسجلة على العثماني من طرف رفاقه في الحزب،كما هو واضح في تدويناتهم عبر “الفايسبوك”،تخليه عن بعض القطاعات الاستراتيجية لصالح حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يعتبرونه هو المستفيد الأكبر،بتوليه لمجموعة من الحقائب الوزارية الوازنة. ولعل النقطة التي أفاضت الكأس أكثر،ورفعت من منسوب الخلافات داخل حزب العدالة والتنمية،هي المتمثلة في وجود عبد الوافي لفتيت،ضمن التشكيلة الحكومية،كوزير للداخلية،ماداموا يعتبرونه، من وجهة نظرهم، بمثابة خصم لهم، منذ أن كان يباشر مهامه على رأس ولاية الرباطـ ـ سلا، القنيطرة. وفي خضم كل تلك الخلافات،يرى بعض المتتبعين للشأن السياسي في المغرب، أن هذه الزوبعة مجرد سحابة عابرة،وقد تعود الأمور إلى طبيعتها في القادم من الأيام، معتبرين أن من يحرك هذه الكتابات والتدوينات عبر وسائل التواصل الاجتماعي،هم مناضلون وقياديون كانوا يأملون في نيل نصيبهم من “الكعكعة الحكومية”،إن جاز التعبير،وحين خاب أملهم، انصرفوا إلى التصعيد،من خلال المطالبة بعقد دورة استثنائية للمجلس الوطني للحزب. وقد استنتجت بعض التحليلات أن زيارة وزراء الحزب مساء أمس الأربعاء ،إلى بيت أمينهم العام عبد الاله بنكيران،مباشرة بعد تعيينهم في الحكومة المغربية الجديدة،خطوة يراد من ورائها امتصاص الغضب الذي يلقي بثقله على الجو في الحزب،واكتساب رضى الزعيم، وتطيبب خاطره،وبالتالي الحفاظ على وحدة التنظيم،كمكون أساسي من مكونات المشهد السياسي في البلاد. فكيف سيعالج حزب العدالة والتنمية خلافاته الداخلية؟ هل بانتهاجه لأسلوب الحوار، وتغليب منطق التعقل ؟ من الصعب جدا التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور داخل حزب “المصباح”، لكن المؤكد أن الطبيب النفسي العثماني ،سيجد نفسه مجبرا على الاحتفاظ أكثر بهدوئه وابتسامته، والتحكم في مشاعره، من أجل تجاوز هذه الأزمة،في وقت يتطلع فيه لتكريس كل جهده لمواجهة تحديات منصب رئاسة الحكومة.