كان الاتحاد المغاربي وما يزال،يشكل حلم شعوب الأقطار المغاربية الخمس،المغرب وموريتانيا والجزائر وتونس وليبيا،غير أن هذا الطموح المشروع، تعرض ،ككل المبادرات النبيلة للإجهاض، ولم يكتب له بعد أن يصبح حقيقة ملموسة، تتحرك على أرض الواقع، في زمن لا مكان فيه إلا للتكتلات الاقتصادية القوية.
وانطلاقا من هذه الأهمية،لم يفت الملك محمد السادس، في خطابه التاريخي،أمس الثلاثاء،أمام القادة الأفارقة،المشاركين في القمة الإفريقية، في أديس أبابا،أن يثير هذا الموضوع، معبرا عن إحساسه بالأسف الشديد، لكون “الاتحاد المغاربي يشكل اليوم، المنطقة الأقل اندماجا في القارة الإفريقية،إن لم يكن في العالم أجمع”.
ففي مثل هذا الشهر، وبالضبط يوم 17 فبراير من سنة 1989،أطلق قادة المنطقة المغاربية، وبحضورهم الشخصي جميعا،من مدينة مراكش،اتحاد المغرب العربي،أو الاتحاد المغاربي، بعد مخاض سياسي،في أفق أن يصبح هذا المولود الجديد كيانا اقليميا،يكمل بعضه البعض، اعتبارا لما تزخر به أراضيه من ثروات طبيعية ومؤهلات بشرية،قادرة على أن تخلق كل أسباب النمو والتطور الاقتصادي والاجتماعي.
وبالأمس البعيد،وقبل التاريخ، المشار إليه أعلاه، داعب هذا الأمل أيضا جفون أبناء وشعوب المنطقة المغاربية وروادها،أولئك الذين ناضلوا من أجله في الخمسينيات من القرن الماضي،كما ذكر ذلك الملك محمد السادس،مشيرا إلى أن هذا “الحلم المغاربي” يتعرض اليوم للخيانة”، وهو وصف دقيق جدا للحالة الراهنة التي يوجد عليها،بسبب السياسة العدائية التي تسلكها الجزائر في معاكستها لوحدة المغرب الترابية،وفي خرقها لمباديء وميثاق المعاهدة المغاربية.
وفي خضم التطورات والأحداث،يتساءل المرء في حسرة،كم من فرص أهدرت، وفوتت على شعوب المنطقة المغاربية اللحاق بالركب المتقدم في العالم،بدليل أن كل المجموعات والتكتلات الاقتصادية،داخل افريقيا نفسها،تعرف دينامية متجددة،بحثا عن رخاء شعوبها،وسعيا لكسب كل التحديات الاقتصادية والاجتماعية،ماعدا الاتحاد المغاربي المصاب بالجمود،والنتيجة كما استحضرها الخطاب الملكي،”أن التعاون الاقتصادي بين الدول المغاربية يبقى ضعيفا جدا،والمواطنون في البلدان المغاربية لا يفهمون هذا الوضع.”
ولقد لامس الملك عمق الحقيقة،حين دعا إلى التحرك وأخذ العبرة من التجمعات الإفريقية المجاورة، وإلا “فإن الاتحاد المغاربي سينحل بسبب عجزه المزمن على الاستجابة للطموحات التي حددتها معاهدة مراكش التأسيسية، منذ 28 سنة خلت.”
وتأسيسا على معطيات هذا الواقع المؤلم،الناتج أساسا عن مناورات الجزائر،يبدو بالفعل،أن الاختيار المغربي بالتوجه نحو افريقيا،لتدعيم أواصر التعاون معها،اختيار صائب في محله،تفاديا لتضييع المزيد من الوقت في انتظار أن تتحرك عجلات القطار المغاربي،التي يبدو انها أصيبت بالصدأ بفعل عوامل الطبيعة،وتقلبات الطقس،عبر الفصول.