مثلما كان غولييلمو ماركوني هو السبب في وجود الاتصالات اللاسلكية وتيم بيرنرزلي هو السبب في اختراع شبكة الإنترنت ودينيس ريتشي هو العمود الفقري للغات البرمجة الحديثة ونظم التشغيل فإن آلان تورنج هو الأساس في ظهور فكرة الحوسبة وتطورها.
آلان تورنج هو مخترع الحاسوب بل هو الذي طور فكرة الحوسبة الكمية والتي كانت النواة التي خرجت منها الحوسبة الحديثة بصفة عامة.
في ثلاثينيات القرن الماضي قام تورنج بتطوير أول جهاز حاسوب في التاريخ أو ما صار يعرف ( آلة تورنج ) والتي يعتبرها الكثيرون إرهاصا لجهاز الحاسوب الحديث.
وفي عام 1936 قام تورنج بنشر بحثه وشرح فيه نظريًا كيفية استخدام شريط مغناطيسي طويل يحوي عددًا من الرموز، وتشرح النظرية القراءة والكتابة عليها، كما يمكن الانتقال على طول الشريط لقراءة جزء معين.
كما يعتبر البعض أن علم الخوارزميات يدين بفضل كبير لتورنج فمن خلال أبحاثه نجح في إضفاء صفة الرسمية لمبادئ الخوارزميات وإخراجها من الكتب للتطبيقات العملية، فمن خلال Turing Machine وضع تصورًا رسميا لعلم الحاسوب ولغاته الأساسية المعتمدة في معظمها على الخوارزميات.
من هو آلان تورنج؟
ولد آلان ماثيسون تورنج في مدينة لندن عام 1912 ثم أدخل دار رعاية تهتم به لاضطرار والديه للسفر إلى الهند بسبب عمل والده هناك وقد كان عمره حينها سنة ونصف فقط حيث قضي طفولته بعيدًا عنهما.
عندما كان في الثالثة عشر من عمره علم نفسه الكيمياء العضوية، ويعتقد أن قراءته لكتاب “عجائب الطبيعة التي يجب على كل طفل معرفتها” لـ إي. تي. بروستر أثرت على نظرته العلمية في أعماله المستقبلية، فالكتاب يساعد القارئ الصغير على الإجابة على سؤال “ما المشترك بيني وبين الكائنات الحية الأخرى وكيف أتميز عنها؟” وكان لتصور المؤلف عن الجسم البشري بأنه كالآلة أثرًا كبيرًا على تصورات تورنج المستقبلية خاصة في مسألة طبيعة الذكاء عند البشر وتورنج يعتبر أول من كتب بالتفصيل حول إمكانية وجود ذكاء للآلة.
في دراسته الثانوية عانى بسبب بعض المواد الأدبية كاللغة الإنجليزية ومادة اللغة اللاتينية، لكنه كان بارعًا في الرياضيات والكيمياء وقد نجح في عمر الرابعة عشر أن يتوصل لطريقة فصل الأيودين من الأعشاب البحرية التي يجمعها من الشاطئ. وفي الرياضيات استطاع أن يتوصل بنفسه للدالة المثلثية المعكوسة inverse tangent function وهو مازال في الخامسة عشر.
بعد التخرج درس آلان تورنج في جامعة برنستون من 1936 وحتى 1938، ثم عمل في المختبر الفيزيائي الوطني بلندن من عام 1945 حتى عام 1948 وقد ساهم خلال تلك الفترة في فك الشفرات النازية مما ساعد الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية.
في عام 1948 عمل في كوكيلا إداريًا للمختبر الحاسوبي في مانشستر وقد استمر في تطويره للحوسبة حتى وفاته عام 1954.
آلة تورنج:
تعد هذه الألة الاختراع الأهم لتورنج فهذه الآلة فهي عبارة عن أول حاسوب حديث فلم تكن تختلف مع بساطتها عن أي حاسوب معقد حاليًا فقد كان لهذه الآلة القدرة على تنفيذ كل الخوارزميات التي يستطيع تنفيذها أي حاسوب متطور.
تعود فكرة تطوير هذه الآلة بعدما حضر تورنج إحدى محاضرات عالم الرياضيات ديفيد هيلبرت والتي طرح فيها قائمة بعدة مسائل رياضية ليس لها حل بعد، والمسألة التي حازت على اهتمامه هي مشكلة القرار Decision Problem وهي تعني عند إنشاء أي تأكيد رياضي، هل هناك خطوات منطقية متسلسلة أو خوارزمية يمكن من خلالها تحديد ما إذا كان هذا التأكيد الرياضي قابل للبرهنة؟
لحل هذه المعضلة احتاج تورنج أن يوجد وسيلة لتطبيق الخوارزميات من خلال الجمع بين مجموعة من العمليات، فوصف آلة افتراضية لها شريط ورقي لا نهائي مقسم إلى مربعات ويمكن للآلة القيام بهذه العمليات:
ـ إمكانية كتابة أحد الرمزين (0 أو 1) في المربع الحالي.
ــ إمكانية مسح المربع الحالي.
ــ إمكانية نقل الشريط لمربع واحد يمينًا أو يسارًا.
ــ مسجل يمكن من خلاله تسجيل الحالة الحالية للآلة. لمعرفة ما الذي قامت به الآلة.
وهناك أجزاء أخرى مهمة مثل جدول التعليمات والذي يخبر الآلة بالعمليات التي تنفذها.
ومن خلال عمله أوضح بأن المدخلات والمخرجات للدالة الرياضية مطابقة للمدخلات والمخرجات لما نسميه الآن البرنامج الحاسوبي. فأي برنامج يمكنه معالجة البيانات يمكنه أن يعالج البرنامج على أنه نوع من البيانات.
إسهامات أخرى لتورنج:
ليست آلة تورنج هي الإنجاز الوحيد لهذا العالم العبقري بل امتدت إسهاماته لمجالات كثيرة كلها كانت سببا رئيسيًا للتقدم المذهل في علم الحوسبة والخوارزميات وحتى الذكاء الاصطناعي وعلم التشفير.
ومن أهم هذه الإسهامات:
ـ تطوير فكرة التشفير بالاستبدال وهي تعني استبدال حرف بآخر، أي يتم استبدال حرف A بحرف G مثلًا وهكذا تتم عملية فك شفرات الرسائل.
ـ تطوير نظام Delilah لفك شفرات المحادثات الصوتية.
ساهم بشكل كبير في تطوير الذكاء الاصطناعي ويعتبر هو من أشتق مصطلح ” ذكاء الآلة ” وقد كتب بحث شهير عام 1948 خاص بهذه الفكرة.
وضع ” اختبار تورنج ” لتحديد ذكاء الآلة وقد كتب في هذا السياق كتاب شهير بعنوان ” الحوسبة الآلية والذكاء ” وفيه تحدث عن فكرة تفكير الآلة ومدي ذكائها وهل يمكن أن تصل يومًا لذكاء الإنسان وقدرته على التفكير.
هذه ليست كل إسهامات هذا العالم العظيم والذي كان السبب الأول في التطور الهائل الذي يحدث حولنا في مجالات الحوسبة والتطور التقني، لكن حاولنا أن نضع سيرة موجزة ومختصرة ومبسطة عنه حتى يتسنى للجميع معرفة من هو آلان تورنج وكيف ساهم في تطور عالمنا.