أقل من عشرة أيام تفصلنا عن الانتخابات الجماعية والجهوية في المغرب. انتخابات تختلف عن كل ما سبقها في كونها تأتي استجابة لدستور 2011 وتنزيلا لمضامينه، وستقوم بتجسيد مشروع الجهوية المتقدمة الذي يمنح جهات المغرب الإثنتي عشر تحكما كبيرا بمواردها المالية وطرق صرفها في المشاريع التنموية المحلية.
وكأي انتخابات في أي مجتمع، فهناك أقلية شديدة من المواطنين تنضوي تحت راية مختلف الأحزاب السياسية العاملة، بينما تنقسم الغالبية الساحقة إلى فئتين متقاربتين: من ينتخبون ومن لا ينتخبون، مع غلبة نسبية للأخيرة. نفس الأمر يطالعنا في المغرب، مع ملاحظة أن هذا الأمر (نوايا الانتخاب) تتفاوت كذلك ما بين المناطق القروية والحضرية، حيث اعتاد أبناء المناطق القروية على المشاركة بكثافة في مختلف الاستشارات الانتخابية، بشكل يزيد أحيانا عن ضعف ما يقوم به نظراؤهم في المدن، وذلك لأسباب ليس هنا مجال استعراضها.
ولأن الوطن للجميع، منتخبين ومقاطعين، مؤمنين بجدوى العملية الانتخابية وغير مؤمنين، فإن الحدث يحظى بمتابعة المغاربة في كل مكان، لأنه سيطبع بنتائجه حياتهم للسنوات الخمس المقبلة. وهنا، يمكن تسجيل مفارقة مزدوجة: في القرى التي يحج سكانها بكثافة إلى صناديق الاقتراع، جرت العادة أن “وجهاء” الأحزاب المنتخبين، سرعان ما يتجاهلون مطالب منتخبيهم، ويرجعون إلى المدن التي جاؤوا منها، إلى أن يحين موعد الاستشارة الانتخابية الجديدة، أو يستدعي البروتوكول وجودهم في مناسبة ما في دوائرهم الانتخابية، بينما في المدن التي تبلغ نسب المتقاعسين عن الانتخاب أرقاما عالية جدا، فهي تحظى برعاية كبيرة، ومتابعة حثيثة من قبل وسائل الإعلام.
المغرب يا سادة يتغير، وهو لم يتوقف عن التغير لحظة رغم كل ما يشيعه العدميون من “دعاة الإحباط”. قد نختلف في تقدير مدى وعمق هذا التغير، لكن من الإجحاف إنكاره. وعليه، فالمستقبل سترسمه –شئنا أم أبينا- أحزاب استمرأت التعامل “المناسباتي” مع الانتخابات، وترشيح “الوجهاء” بدل “المناضلين”، وكلما تركت لأقل من نصف السكان، معظمهم في القرى، مهمة تقويم هذه الأحزاب عبر تصويت يكافئ أو يعاقب أداءهم للسنوات الخمس الماضية، كلما تغير المغرب بوتيرة أضعف، وصعب تغيير السلوك الانتهازي والمعوج لهذه الأحزاب، وتأخر تبعا لذلك تنزيل وتفعيل جهوية، هي بكل المقاييس متقدمة على ما سواها عربيا وإفريقيا، وتعذر رؤية أثرها التنموي الحقيقي على المواطنين.
من هنا، نقولها عالية، تحية لكل من امتلك الشجاعة والإيمان واستطاع التغلب على إحباطه المبرر، ليذهب يوم الرابع من سبتمبر المقبل إلى صناديق الاقتراع، ولا عزاء لمن قاطع وفوض أمر إدارة شؤونه للأقلية المصوتة، والأحزاب الوفية لعاداتها المضرّة.