لا تزال الإثارة مستمرة بخصوص مصير المسودة الأخيرة لاتفاق السلام الليبي التي تقدم بها المبعوث الأممي برناردينيو ليون في الصخيرات ليلة الثلاثاء. فبعد أن سارع ممثلو “مجلس نواب طبرق” إلى رفضها، مقابل ترحيب ضمني من ممثلي “برلمان طرابلس”، تضاربت الأنباء حول استكمال الفريق المحتج لجولة المفاوضات في العاصمة الألمانية برلين، قبل العودة إلى الصخيرات لتوقيع الاتفاق، بعد أن يكونوا قد رجعوا لقواعدهم للتشاور. الأنباء الواردة من برلين تؤكد أن ممثلي طبرق قد ذهبوا إلى برلين فعلا، عكس مطالب قيادتهم التي أصدرت لهم أوامر بالانسحاب، وهو ما دفع ناطقا باسم مجلس النواب إلى اعتبار أن ممثليه “يتحدثون بصفتهم الشخصية” منذ هذه اللحظة ولا يمثلون إلا أنفسهم، وهو الموقف الذي يرجح أن تكون له تفاعلاته وتداعياته قريبا.
وبعيدا عن الجدل الدائر في ليبيا بين مختلف الفرقاء حول “محادثات الفرصة الأخيرة في الصخيرات”، والموقف من مقترحات “ليون” الأخيرة التي تلقى دعم الأمم المتحدة والقوى الدولية الفاعلة، نكتفي هنا بتسجيل بعض الملاحظات السريعة:
أولا: يبدو البعض وكأنه لا يزال يعيش أجواء الجولة الأولى من المحادثات قبل شهور، وتحديدا أجواء التنازع العبثي للمشروعية، سواء لبرلماني طبرق وطرابلس، أو لميليشياتهما التي يعتبرها كل طرف جيشا وطنيا. جدل عبثي يستمر منذ عام تقريبا، وبدء قبلها بكثير بين معسكرات، كان الأجدى أن تحتكم إلى آراء الليبيين في ما يقدمونه من برامج لخدمته.
ثانيا: تثبت التصريحات التي يطلقها ممثلوا الفريقين أنهما لا يدركان حقيقة معنى “التفاوض”. فكل فريق يأتي إلى الصخيرات باحثا عن اعتراف أممي بشرعيته “حصريا” دون اعتبار لحاجة أية عملية تفاوضية لتقديم تنازلات هنا وهناك.
ثالثا: بارتباط مع النقطة السابقة، يبدو الحديث عن تشكيل “حكومة وحدة وطنية” وكأنه خارج السياق، إذ كيف يعقل أن يشكل فريقان متنافران وغير مستعدين لتقديم أي تنازل، ويدعي كل منهما إحتكار الحقيقة والمشروعية حكومة ناهيك عن رؤيتهما يعملان معا إذا نجحت الأطراف الدولية في فرضها؟؟ ولنا في كل حكومات الوحدة الوطنية العربية خير مثال، وآخرها حكومة “فتح” و “حماس” في فلسطين.
رابعا: ملاحظة تلح وبشدة: من الذي يفاوض في الصخيرات، رجال السياسة والبرلمان أم العسكر؟ أيهما صاحب الكلمة الفصل فيما يدور ويطرح من مقترحات: خليفة حفتر وعبد الحكيم بلحاج أم رؤساء حكومتي وبرلماني الفريقين؟؟ إذا كان اللواء حفتر قد بدأ “حربه” المسماة “عملية الكرامة” في 16 مايو من العام الماضي، أي قبل خمسة أسابيع من الانتخابات التي أعطت لفريقه الأغلبية في 25 يونيو من نفس العام، فعن أية حرب “مشروعة” تشن بأوامر الحكومة “الشرعية” وتستمد مباركتها من البرلمان “الشرعي” نتحدث؟
خامسا: متى يدرك الزعماء الليبيون أن ليس هناك من حرب “مشروعة” بين أبناء البلد الواحد، وليس هناك إراقة دم “مشروعة” خارج ما حدده رب العالمين. وعليه، فجميع من يحملون السلاح في ليبيا اليوم “ميليشيات،” وأن وزر كل شهيد أو جريح أو مشرد أو عاطل عن العمل من أبناء ليبيا هو في عنقهم كاملين.
سادسا: لا تزال معظم دول الجوار الليبي وبعض القوى العربية والدولية تلعب لعبتها الخطرة والقذرة في آن، عبر إبقاءها “وهم” إمكانية الحسم العسكري عند هذا الفريق أو ذاك قائمة. دور نتمنى أن يمتلك الليبيون، ساسة ومواطنين القدرة على التصدي له، ونبذ “الوكلاء” العسكريين لهذه القوى الإقليمية، وتحجيم دورهم، لأن العسكر أي عسكر، ليس لهم دور يتجاوز حماية حدود البلد والدفاع عنها في وجه اعتداءات الخارج، بينما تحسم الخلافات الداخلية بوسائل سلمية ليست من ضمن اختصاصهم.
أخيرا.. نتمنى أن ينجح الليبيون في الوصول ببلادهم إلى بر الأمان، وهي المهددة بعمق على مختلف الأصعدة، وأن يترجم التصميم الدولي على المساعدة عبر منع تزويد الآلة العسكرية المحلية للفرقاء بالوقود الذي يزيد من استدامة هذه الحروب الشخصية العبثية، والتي يدفع الليبيون جميعا ثمن انتصار صاحبها.