من حق أي كان أن يوقع على البيان أو العريضة التي تحلو له، وأن يعبر عن موقفه بكل حرية، لكن “الحياء” مطلوب عندما يبدأ الناس في التعبير عن آرائهم، معارضة أو تأييدا.
مناسبة الكلام، سلسلة التصريحات والمغالطات التي خرج بها ممثلو “القبيلة الفرانكوفونية” ردا على منع وزارة الاتصال لعرض فيلم نبيل عيوش الأخير، وما قوبل به من تأييد جارف، رفضا للفيلم ومنهج صانعيه. فبسهولة شديدة، توالت التصريحات التي تصف كل من أيد منع الفيلم بأنه “داعشي” و “ظلامي” ومعاد لحرية التعبير ومخالف للدستور، دون أدنى مراعاة ولا تفهم لحق من وجد في الفيلم “إهانة” شخصية ووطنية أن يؤيد قرار المنع. وليأتي نبيل عيوش و”يكملها ويجملها” ويطلب “بوقاحة” من المغاربة (هكذا بالجمع) “أن يزوروا المغرب”، بحجة أنهم لا يعرفون الواقع. واعتبارنا للأمر أنه وقاحة يأتي من اعتبار صانع الفيلم أن فيلمه هو الذي يمثل الواقع المغربي، الذي يجهله جميع المغاربة أو لا يعترفون به. ونرد ببساطة: هذا “المغرب” الذي يعرفه نبيل عيوش وأفراد قبيلته يخصه وحده ولا حاجة لنا بمعرفته ولا مشاهدته، وما نعرفه عن “مغربنا”-بما فيه من نواقص- يزيد من فخرنا بالانتماء إليه.
أما باقي المغالطات، على كثرتها، فسنكتفي في هذه العجالة بالتطرق إلى أبرزها:
أولا، من البديهي أن يأتي قرار المنع قبل أن ينزل الفيلم إلى قاعات السينما، والقول “لا تحكموا على الفيلم حتى تشاهدوه” كلام وإن صح في مجالات أخرى فإنه لا يصلح في هذا المقام. إذ ما معنى منع الفيلم بعد أن يكون آلاف المغاربة قد شاهدوه ونجح صانعوه في تسويقه وقبض ثمن ما وجهوه من إهانات؟ ثم، ألا يتم منع البضاعة الفاسدة قبل أن يتم استهلاكها، أم نقول دعوا الناس تستهلكها لنتأكد من وقوع الضرر؟ ثم لنكن صريحين: ألم يصنع نبيل عيوش فيلمه من أجل أن يشاهده “النّصْارى”، وها هو قد حصل على ما يريد، حيث اعتبره الفرنسيون مخرجا وعرضوا فيلمه في مهرجان “كان”، وزادوا بأن سمحوا بعرضه في قاعاتهم، فماذا يريد أكثر من هذا الاعتراف “بعبقريته”؟؟!!
ثانيا، إذا كانت “قبيلة الفرانكوفونيين” مصرّة على إجبار أغلبية المجتمع، تحت ستار “حرية التعبير” على “التطبيع” مع جميع الظواهر الشاذة -حتى وإن وجدت- كزواج المثليين، وحق الإنجاب خارج مؤسسة الزواج، وحق الإجهاض دون ضوابط، وحق الإفطار العلني في رمضان، وحق التعامل العلني والطبيعي مع الكيان الصهيوني، وغيرها مما يخالف توافقات الأغلبية دينيا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا، فما هو الفرق الحقيقي بينهم وبين “الدواعش” الذين يريدون حمل الأغلبية على تصور خاص ومتخلف للدين الإسلامي لا يوجد إلا في أمهات كتبهم وعقولهم المريضة؟؟ إن دواعش الفرانكوفونيين ودواعش السلفيين عندما يتعلق الأمر ب”دكتاتورية الأقلية” هما وجهان لعملة واحدة، والأخطر، أن واحدهما يستدعي الآخر.
ثالثا، إذا كانت “المرجعية الكونية” لقبيلة الفرانكوفونيين تمنحهم حقوقا لا تراعي المرجعية والهوية الثقافية والدينية للمجتمع المغربي، فما هو السبيل لحل هذه الإشكالية؟ إذا كان الجواب باستنساخ “النموذج الحداثي الحضاري الفرنسي” للتعامل مع الشأن الديني، والذي يعزل الإنسان في المحصلة عن أية قيمة، فهل يتصور فرانكوفونيونا أننا سنمنع المغربيات من حق الاحتشام، ونعطيهم الحق لممارسة كل ما يرونه صوابا حتى لو كان صادما لغيرهم من شركاء الوطن؟ ثم بأي نموذج حضاري غربي أو فرنسي تحديدا يفاخرون، وهي البلاد التي لا تجد غضاضة في منع نساء المسلمين حتى من ارتداء الملابس الطويلة، وممارسة حقها في الاحتشام، و”تحرق” بالمقابل كل من يقول حرفا ضد الكيان الصهيوني، وتعتبر الدوس على مشاعر ملايين المتدينين وتحديدا المسلمين عبر إهانة الأنبياء حرية تعبير؟
أخيرا، ففيلم عيوش والزوبعة التي تثيرها قبيلته هي حلقة من مسلسل طويل من الصراع بين فرقاء ثقافيين ومجتمعيين، ستبقى دليل صحة على حيوية المجتمع المغربي طالما استمرت في إطار احترام القانون، وامتلك كل طرف حقه الكامل في التعبير السلمي عن وجهات نظره مهما بلغت غرابتها، وتعامل طرفاها مع بعض دون إقصاء وتجريم، واحتكم الجميع في النهاية لرأي غالبية الناس واحترموا مشاعرهم، وخضعوا لكل ما هو متوافق عليه من مؤسسات ونصوص.
اقرأ أيضا
بعد غياب.. مهدي مزين يعود بـ”مابقيتيش شيري” من أول ألبوم له
يستعد الفنان المغربي مهدي مزين، لطرح أول أغنية من ألبومه الغنائي الجديد، والذي يحمل اسم "ماراطون"، وذلك بعد فترة من الانتظار والتأجيل.
هند سداسي تفرج عن جديدها “Monotone”
أفرجت الفنانة المغربية هتد سداسي، مساء أمس السبت، عن أغنيتها الجديدة "Monotone"، وذلك عبر قناتها الرسمية بموقع رفع الفيديوهات "يوتيوب".
مجلس الأمن.. بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي
سلط وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الضوء أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، على إطلاق المغرب والولايات المتحدة لمجموعة الأصدقاء الأممية بشأن الذكاء الاصطناعي، بهدف تعزيز وتنسيق الجهود في مجال التعاون الرقمي، خاصة فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي.