لا يجادل اثنان على مدى الإجرام الذي مارسته قوى الاحتلال الصهيوني ضد أهلنا في غزة على مدى شهر كامل، مثلما يتفق الجميع على أن صمود هذا الشعب وقدرته على التضحية كانت مثالا نادرا ومبهرا في آن. كما يتفق معظمنا أن صمود المقاومة وتطوير أساليبها القتالية، وما بذلته من جهود للتصدي للمحتل الصهيوني كانت ملفتة وتستحق الإكبار والتحية. لكن ومع محاولة اسرائيل الانتقال من ساحة المعركة إلى ساحة التفاوض من أجل تحقيق أهدافها العدوانية، ومحاولة حماس ترجمة صمودها العسكري إلى انتصار سياسي، ينفتح المشهد على مختلف السيناريوهات المحفوفة بالمخاطر لهذا الطرف أو ذاك، لأنه كما نعلم جميعا، كم من نصر عسكري، تحول على أيدي قادة هواة وصغار إلى هزيمة سياسية لا تليق بتضحيات المقاومين والشعوب، بسبب غياب الرؤية الاستراتيجية وكذا المشروع النضالي الوطني الذي يحظى بالإجماع الداخلي عند هذا الطرف أو ذاك.
والآن، وقد نجح الفلسطينيون –شكليا- في الذهاب إلى القاهرة بوفد موحد عنوانه السلطة الفلسطينية، لا تزال صور الانقسام بين الحركتين الأكبر فتح وحماس، وحلفائهما بادية للعيان، ليس فقط بسبب المعسكر العربي والدولي الذي اختار كل فريق أن يصطف إلى جواره، ولا بسبب الموقف من المبادرة المصرية، ولكن لأن واقع الانقسام المر، ورغم اتفاق المصالحة بينهما لا يزال عصيا على الجسر التام، ناهيك عن اختلاف المقاربات والرؤى بين الفريقين، فريق المقاومة المسلحة وفريق المقاومة الشعبية السلمية، وهي فروقات كبيرة جدا لدرجة تجعل الفريقين يلتفان حولها دون محاولة اختراقها.
وقد يستبشر البعض بإعلان الوفد الفلسطيني الموحد المفاوض أنهم مجمعون على برنامج مطلبي واحد، عنوانه: الإفراج عن الأسرى، فتح المعابر، بناء ميناء في غزة والسماح بالصيد في مياهها، إعادة إعمار ما تدمر فيها، مع الاتفاق على رفض نزع سلاح المقاومة، وهي كلها بالمناسبة مطالب مشروعة، تهدف إلى رفع الحصار عن أهلنا في قطاع غزة، لكن ما يخيف حقيقة هو غياب أهم مطلب لا ندري إلى متى سيبقى متجاهلا من طرفي المعادلة فتح وحماس بشكل مريب ويستعصي على الفهم، ألا وهو شرط تأمين حرية الحركة بين قطاع غزة والضفة الغربية بشكل غير مشروط ولا تتدخل في انسيابيته إسرائيل من خلال تواصل جغرافي دائم، إذ بدون هذا الشرط، سيتكرس أكثر واقع الانقسام في الضفة وغزة، وتحقق إسرائيل مرادها الاستراتيجي في منع الحديث عن فلسطين ككتلة واحدة في الضفة وغزة والأراضي المحتلة عام 1948.
إن استمرار الاستفراد الفعلي لحركة فتح بالضفة الغربية وحركة حماس بقطاع غزة، وهو استفراد يعجب الطرفين كما يبدو، لهو عنوان صارخ على ضعف المشروع الوطني وغياب الرؤية الاستراتيجية لكليهما، وهو الشرط الذي كان يجب أن يتصدر لائحة المطالب عند الوفد المفاوض الموحد، حتى نضمن عدم إمكانية فرض الحصار مجدد على القطاع، إذ أن فتح المعابر بين غزة وكل من اسرائيل ومصر، هو إجراء سيادي، ولكل دولة منهما مطلق الحق والحرية في إقفال هذه المعابر متى ولأي سبب شاءت، بينما سيبقى التواصل الحر بين أجزاء الوطن الفلسطيني الثلاثة هي الغاية الأسمى لكل عملية تفاوض سياسي، والعنوان الأبرز للانتصار، وطالما لم يتحقق هذا الشرط، فلدينا مطلق الحق في التشكيك في دوام، ناهيك عن تحقق هذا الانتصار السياسي الموعود، حتى لو جاء بجهود منسقة من طرف مصر أو قطر أو تركيا وبمباركة العالم أجمع.
اقرأ أيضا
نشرة إنذارية.. تساقطات ثلجية وهبات رياح قوية بعدد من مناطق المملكة
أفادت المديرية العامة للأرصاد الجوية بأن تساقطات ثلجية مرتقبة على المرتفعات التي تتجاوز 1800 م …
يتحدى الشلل ويقفز بالحبل من أعلى نقطة في الهند
يُعد القفز بالحبال احدى أكثر الأنشطة الشعبية بين محبّي المغامرة في الهند، من بينهم ثلاثيني …
بركة يوقع اتفاقيات جهوية لمواجهة الإجهاد المائي بالمدن
أكد نزار بركة وزير التجهيز والماء بالمناظرة الوطنية الثانية للجهوية للمتقدمة بطنجة، أن مواجهة الإجهاد …