حسنا فعلت الخارجية المغربية، عندما اختارت تصعيد اللهجة تجاه “موظف” تجاوز حدود صلاحياته والتفويض المعطى له من قبل من انتدبه لهذه الوظيفة، حتى لو كان في مستوى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. تصريحات بان كي مون الأخيرة التي أبدى فيها تعاطفا مزيفا مع من ولدوا “تحت الاحتلال” وأصبحوا في الأربعين من عمرهم، لم يكن المغرب ليسمح بأن تمر دون رد قوي، من شأنه أن يقطع الطريق على “الموظف الأممي” محدود الصلاحيات، وإن كان عالي الامتيازات، وتذكّره وهو يهم، رفقة مستشاريه، بكتابة تقريره الذي سيبرر بواسطته لأعضاء مجلس الأمن طلب التجديد لبعثة المينورسو عاما آخر، بضرورة استخدام مصطلحات “منضبطة” لا تحمل أحكام قيمة من شأنها أن تؤثر على الحياد “المزعوم” للمنظمة الدولية.
إن ما يجعل زلة لسان الأمين العام للأمم المتحدة غير قابلة للتجاوز، كونها تسير في نفس الاتجاه الذي يذهب فيه ممثله كريستوفر روس ومستشاريه وسكرتاريته، وهو ما يمكن أن يتخذ مطية لمن يبحث عن “اقتباسات على لسان مسؤول سام”، في هذا البلد أو ذاك، في نطاق الحملات المعادية للوحدة الترابية للملكة، دون إغفال طبعا أن بان كي مون، هو موظف لدى الأمم المتحدة أقل أهمية بكثير، إذا ما قورن بمندوبي الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، والتي تحسب مواقفها بناء على مصالحها وليس بناء على ما يتفوه به هذا الموظف أو ذاك، أو يرد في هذه الوثيقة أو تلك.
لكن، ونحن نهاجم ما تفوه به “الموظف الأممي”، من المفيد عدم إغفال نقطة ربما تغيب عن كثيرين، وتخص المعسكر المقابل. إن حالة التهليل لما قاله كي مون، من قبل قيادة البوليساريو ووسائل إعلام جزائرية مرتبطة بهم، تكشف من بين ما تكشف الدرك الذي وصلته هذه الزمرة من الضعف، بعد أن أسقط في يدها عسكريا، وتوالت خسائرها سياسيا بالاعتراف العالمي المتزايد بمبادرة الحكم الذاتي المغربية، وتم تعرية ارتباطاتها بشبكات الجريمة المنظمة والإرهاب العابر لمنطقة الساحل والصحراء دوليا، وكذا سرقتها لأموال المساعدات التي وعد كي مون في غمرة حماسه بالطلب إلى الدول المجتمعة في جنيف أن تعطيهم المزيد منها، ناهيك عن، وهو الأهم، فقدانها للسيطرة الفعلية على مجمل الأوضاع داخل مخيمات الاحتجاز في تندوف والحمادة. إن قيادة البوليساريو، وحاضنتها الجزائرية، تدرك أن أسباب القوة الحقيقية قد تسربت من بين أيديهم، وعليه، أصبحوا في حالة استجداء لأي “نصر وهمي” من أجل تبرير استمرارهم أسابيع أخرى ومدهم بأسباب الحياة.
في المقابل، فإن المغرب، القوي بتماسك بيته الداخلي، ووحدة شعبه خلف قضيتهم الوطنية، ورؤيته التنموية المستقبلية، ومبادراته السياسية الخلاقة، والبيعة التي تطوق عنق مواطني الأقاليم الجنوبية أبا عن جد، ليس في وارد الخوف من زلات لسان أي مسؤول أممي أو دولي مهما علا شأنه، وما “الغضبة المغربية” على منزلقات الأمين العام للأمم المتحدة إلا لتبين لمن يفكرون في تكرار تصريحاته غير المسؤولة بأن لكل كلمة غير محسوبة ثمن، وأن المغرب يحسن الرد بمقدار ما يتعرض له من تجاوز. فهل يفهم المسؤول الأممي الرسالة، ويختار كلمات تقريره المرتقب بعناية أكبر، أم يورطه معاونوه وربما “محرّكوه” في مزيد من الانزلاقات اللفظية التي قد لا تساعده على إنهاء ما تبقى له من أيام في موقعه بهدوء؟ أياما فقط ونعرف الإجابة..