فقدت الساحة الفنية المغربية صوتا من اجمل أصواتها، وذلك بعد أن اسلم الفنان الحاج محمد بوزوبع، شيخ الملحون الروح إلى بارئها، في الساعات الأولى من صباح اليوم الأربعاء، عن عمر يناهز 76 سنة، عقب صراع طويل مع المرض، امتد لعدة سنوات ، ظل خلالها متنقلا بين المصحات وبيته في طريق إيموزار بفاس.
ويعتبر الفقيد من ألمع رواد فن الملحون، ويعود إليه الفضل في تجديد هذا الفن التراثي الشعبي، وإعطائه رونقا خاصا، سعيا منه وراء تقريبه من الشباب المغربي، وقد خلف وراءه حوالي 180 قصيدة مغناة بصوته المفعم بالإحساس والعاطفة.
وحسب سيرته الذاتية، فقد ولد بوزبع في حي “الكزيرة” بالرصيف بالمدينة العتيقة لفاس، وفيه كبرت قامته، وتألق صوته كمطرب للملحون، على يد والده الفنان المرحوم بوزوبع، قبل أن تنتشر شهرته على صعيد التراب الوطني كله في المغرب.
ورغم أنه ظل بعيدا عن الأضواء، منذ عدة سنوات، بفعل تدهور حالته الصحية، فإن ذاكرة الجمهور المغربي تحتفظ بذكريات طيبة عن الفقيد الذي طالما شنف أسماعه بقصائد مختارة بعناية وذوق من فن الملحون، ولعل أشهرها، هي قصيدته “لا إله إلا الله كلمة عظيمة”، إذ عرف عنه تعلقه بأداء القطع ذات البعد الديني، والتغني برسول الله.
وكانت بعض الصحف قد تداولت أخبارا حول إصابته، رحمه الله، بجلطة دماغية وتعفن في جهازه التنفسي مما استدعى نقله، على جناح السرعة في شهر مارس 2013 إلى المركز الاستشفائي الجامعي الحسن الثاني بالمدينة حيث تلقى العلاج.
ومنذ ذلك الحين توارى هذا النجم إلى الظل، وهو الذي كان سيد السهرات التلفزيونية، منذ ستينيات القرن الماضي، ومرورا بالسبعينيات والثمانينات، يشدو فيها بأجمل ما تركه الأجداد من روائع الكلام وعذوبة الأنغام.
و كان برنامج “مسار” بالقناة الثانية الذي يعده ويقدمه الإعلامي عتيق بنشيكر، قد احتفى به بحضور مجموعة من أصدقائه ورفاق دربه، ممن عايشوه، على امتداد مشواره الفني الزاخر بالعطاء في فن الملحون.
وسبق لبرنامج ” في الذاكرة”، الذي يهتم بتجارب الرواد، أن استحضر على شاشة القناة ” الأولى”، محطات بارزة من التاريخ الفني للحاج محمد بوزوبع، ولك في أكثر من جزء، اعتبارا لما للفقيد من مكانة خاصة في عالم الملحون، إنشادا وإنتاجا وإبداعا.
تربت على يد الفنان بوزوبع عدة أجيال، تخرجت من تحت عباءته، مستفيدة من خبرته حين كان يعمل كأستاذ للموسيقى بالمعهد الموسيقي بمدينة فاس، طيلة عدة سنوات، كان خلالها يأخذ بأيدي المواهب الناشئة، أملا منه في أن تحمل من بعده مشعل فن الملحون في المستقبل.
وسيوارى جثمان الفقيد عصر اليوم الأربعاء بمقبرة ( القبب ) بفاس، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، وألهم عائلته الصغيرة والكبيرة الصبر والسلوان.وإنا لله وإنا إليه راجعون.