منح الاحتفاء بالسينما اليابانية كضيف شرف للدورة 14 بعدا إشعاعيا جديدا لمهرجان مراكش، وهو يستقبل نخبة من صناع السينما في اليابان ويحتفي بواحدة من أكثر القارات السينمائية إبداعية وتجددا.
فبعد أن كرم في دورته 13 المخرج الياباني كوري إيدا هيروكازو، أحد المواهب التي تصنع استمرارية تفرد التجارب السينمائية الوافدة من بلاد الساموراي، عاد المهرجان للاحتفاء بقصة نهر إبداعي يتدفق منذ بداية القرن العشرين، مطالعا عشاق الفن السابع عبر العالم بأعمال تبهر وتستفز وتحير أحيانا.
رغم تجذر السينما اليابانية في تربتها المحلية، وانشغالها العميق بالخصوصيات الثقافية والاجتماعية لبلادها، إلا أنها استطاعت منذ عقود طويلة الخروج إلى العالم وفرض نفسها كمرجع لإنتاج الصورة السينمائية بحكاياتها وأساليبها وأسئلتها الفكرية والجمالية.
واعترفت كبريات محافل الفن السابع بعبقريات فنية ظلت تتوالد رغم تباين المراحل والتوجهات في تاريخ هذه السينما. من هيروشي ايناجاكي وياسوجيرو أوزو إلى شوهي إيمامورا وصولا إلى الأيقونة العالمية أكيرا كوروساوا، جسدت اليابان جدلية مثيرة للاستمرارية والقطيعة في الإنتاج السينمائي. استمرارية في الانشغالات الكبرى وقطائع في الأساليب الإبداعية.
وقد شكل مهرجان البندقية عام 1958 أول محفل اعتراف دولي بهذا الإبداع القادم من الشرق الأقصى، مجسدا آنذاك في هيروشي ايناجاكي، الذي حصل على الجائزة الكبرى عن فيلمه “حياة ماتسو المتمرد”.
وبعد أن كانت الأجيال الأولى من المخرجين اليابانيين صدى للتيارات السينمائية الغربية، فقد أسست الخمسينيات لطغيان الطابع الإنساني من خلال أعمال كوروساوا وثلة من زملائه، تناولا قضايا الحرية وقيمة الإنسان. وأثمرت هذه الحقبة الذهبية أعمالا ذائعة الصيت من قبيل “قصة طوكيو”، “مأساة يابانية”، “الساموراي السبعة”.
واغتنت تجربة السينما اليابانية أيضا، حسب الناقد المصري سمير فريد، في كتابه “السينما اليابانية في النقد السينمائي العربي” بالموجة الجديدة التي قادها مخرجون ذوو توجهات متمردة على الوجه المحافظ لليابان. ولعل من أبرز ممثلي هذا التيار شوهي ايمامورا وماسهيرو شينودا وأوشيما ناكيزا. وحضرت في هذه الأفلام بقوة تيمات الجنس والانحراف والجريمة، تمثلا لأعطاب مجتمع ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وما لبث أن توارى تأثير هذه الموجة الجديدة التي دخلت هي ذاتها مدار الكلاسيكيات، مع بروز مخرجين شباب منفتحين بشكل أكبر على العالم، من خلال الاستعانة بالممثلين الأجانب والانخراط في مشاريع إنتاجية أجنبية وحتى تناول مواضيع كونية ليست بالضرورة على صلة مباشرة بالواقع المحلي.
ورغم تعاقب تيارات متباينة في مسار السينما اليابانية، فإنها لم تلغ بعضها بقدر ما أبرزت حيوية وطن سينمائي يجدد أدواته التعبيرية ويسائل مسلماته ومنجزاته. لقد عرف صناع الفيلم في هذا البلد الذي يعيش ثنائية الأصالة والحداثة بانسجام وتعايش مذهل، كيف يهتدون إلى إنجاز أعمال تعتني بالبعد التشكيلي وبجمالية الصورة وسلاسة الحوار وتقديم حكايات بعمق إنساني يجمع المحلي بالكوني. هذا الرصيد الاستثنائي حل ضيفا على المغرب السينمائي، لتستقبل مراكش وفدا كبيرا من الممثلين والمخرجين والمنتجين، برئاسة كوري إيدا هيروكازو، في دورة تحتفي بأعمال كبار معلمي السينما اليابانية بمختلف تياراتهم، لتتوطد هوية مدينة ترسم أفقا إنسانيا وفنيا، بسعة العالم.