القصيدة الزجلية تتألق في رحاب غاليري الأدب بمدينة الدار البيضاء

في تظاهرة زجلية كبيرة بمدينة الدارالبيضاء، كان اللقاء بأعمدة هذا الفن الأدبي العميق المنصهر من عمق الثقافة المغربية المتجذرة في الذات و الوجدان، والمتميز بمنظور الفكر الفلسفي العاكس للموروث الثقافي المغربي الأصيل.
الملتقى من تنظيم “غاليري الأدب” دورة الشاعر العملاق إدريس المسناوي، تحت الرعاية الفعلية لإدارة الموقع المتمثلة في الأستاذ مصطفى لغتيري منظما ومؤطرا والأستاذة السعدية باحدة رئيسةً للموقع ومسيِّرة..للملتقى البهيج..
افتتِح الحفل بكلمة مؤثرة وعميقة تفضلت بها الناقدة والمبدعة الأستاذة حسنة أوهاشمي تلتها بالنيابة عنها الأستاذة السعدية باحدة أمام حضور كثيفٍ من الأدباء المتتبعين لهذا الفن والعاشقين له، تطرقت فيها لمسار الشاعر المُحتفى به إدريس أمغار المسناوي، وقد أفاضت الأستاذة حسنة في إبرازه إنسانا وفكرا، منذ بداياته الستينية بصورة أعمق لقربها منه بحكم الانتماء لنفس المدينة الجميلة “تفلت” التي ينحدران منها معا.. والتي تكسِب أبناءها صفاء الفكر وعمق الرؤية بفضل من طبيعتها البكر..
كانت الكلمة قوية جدا كقوة وجود هذا الرجل الذي قَدّس “الإنسان” كفكرٍ وروحٍ وجسد خارج حدود التحلل…
قربتنا الناقدة الــ”حسنة” أكثر من عمق وروح هذا الشاعر الاستثناء، معرجةً على أهم محطات حياته منذ بداياته و”قبل بداياته”.. حيث سبق وجوده الفعلي في هذا الكون روحيا كالضوء الذي جسده في جل قصائده أو ربما كلها..ذاك الإشعاع الفلسفي الصوفي الذي يتمثله ويمثِّله فكرا وروحاً ..كما استلهم ذاته من الطبيعة”الشجرة” وقلبه”الزهرة” التي لا تذبل..
وقد ألقيت هذه المداخلة مباشرة بعد اتصال هاتفي مؤثر من الأستاذة “حسنة”حيت فيها الأديب المحتفى به سي ادريس المسناوي وجميع الحاضرين، تلتها مداخلتان قيِّمتان من الأستاذ حنين والأستاذ خالد الموساوي تبرزان ماذا يعني “الزجل” كأدبٍ في قاموس بعض الأدباء المغاربة الذين يستثنونه من الشعر ويصنفونه بالكتابة النثرية العادية أو بالشعر الغنائي أحيانا، فيما يتعلق بكتابة كلمات القصائد التي تغنى في الإذاعة مثلا..وقد أبرز السيد “عبد العزيز حنين” أن الزجل هو لغة غير مقعّدة بمعنى أنه والشعر “الفصيح” سيان أو بالأحرى هو نفسه شعر فصيح يرضخ لقاعدة نحوية وبلاغية بحيثياتها اللغوية المختلفة نطقا لا تركيباً..
في حين قدم الأستاذ الناقد خالد الموساوي دراسة نقدية لآخر ما ورد عن شيخنا القدير ادريس المسناوي من ديوانه”قصايد طاحو من يدي بين يدي”وركز على ثيمة الضوء والعمق الفلسفي لهذه الكلمة”الضوء” في قصائد الشاعر حيث أن اعتماده “الضوء” في كتاباته يعني كما سبقت الإشارة إليه، وجوده الروحي في هذا الكون قبل وجوده الذاتي..حيث خُلِق للكتابة الزجلية ب”تأهيل كوْني”..
بعد هذه المداخلة العميقة جاءت كلمة الشاعر الزجال الكبير سي ادريس بلعطار ليضيف شهادة أخرى في حق الشاعر المحتفى به سي ادريس المسناوي حيث أثبت عمق الصداقة والمعرفة بينهما بما يناهز العقدين..صداقة حافلة بالعطاء والكفاح المستميت من الشاعر المسناوي لإبراز الشعراء الأوائل لهذا الفن الأدبي العريق في وقت شح فيه التواصل للم شمل شعراء الزجل غير التواصل البريدي والمتابعة الصحفية، وهذا يُبين حب هذا الشاعر الكبير لهذا الشعر الجميل منذ الزمن البعيد، حب من يُجيده ويحبك صنعتهُ، وهي غيرة قديرة تُحْسب للشاعر سي ادريس حفظه الله..
ثم كانت كلمة شكر من طرف منظم الحفل الأستاذ سي مصطفى لغتيري للمتقدّمين بدراساتهم القيِّمة وشهاداتهم البيِّنة في حق الشاعر العملاق سي ادريس وفي حق مكتبة فرنسا ومكتبة فارير وصاحبهما السيد محمد البناني والمشرفتين على المكتبتين وخاصة الأخت الكريمة خديجة البصري..ثم أدار كفة الحوار إلى الحضور الكريم لتسجيل مداخلاتهم تباعا كتعاليق على ما جاء في الندوة. تمحورت الأسئلة حول ماهية الزجل كفن أدبي وإبراز محاسنه في توخي الجودة البلاغية “العروضية” وانتقاء الكلمات شأنه شأن الشعر الفصيح..وإنِ اعترض الناقد “حنين” عن كلمة “الفصيح” التي تفصل الزجل عن غيره في التصنيف، أو الانتماء، إذ وضح في بداية كلمته أن ليس كل من يكتب الشعر شاعرا فكثير من الشعراء يسيئون للشعر بمسمياته وصنوفه كلها.. لعدم درايتهم باللغة وبعدهم عن القراءة والبحث في عمق الكلمة الرصينة الهادفة.
ثم جاءت كلمة حاسمة من الأستاذ مصطفى لغتيري كعادته لدعم الأدب والأدباء، هذه المرة اعتمد وثيقة لتوقيع جماعي من أجل إيصال الأصوات المعبرة بصدق على المؤازرة القوية للزجالين المغاربة، قصْد تمكينهم من التفاتة مسؤولة من المكتب التنفيذي لاتحاد كتاب المغرب لتبني هذا الفن الأدبي بمصداقية تتيح له حقوقه ككيان واضح المعالم، في الساحة الأدبية نظرا لتاريخه العريق في هذا البلد الذي من المفترض أن يحتوي أبناءه وحقوقهم دون حيفٍ.
كانت المبادرة جد قوية ولافتة من طرف السيد لغتيري تركت انطباعا صفق له الحضور واستقبله بحفاوة بارزة.
خِتاما كانت كلمة رائعة وشامخة شموخ صاحبها للشاعر المحتفى به سي ادريس أمغار “الشيخ” كما وضح في كلمته السابقة الأستاذ حنين عبد العزيز حين وضح بين قوسين معنى “امغار” بالأمازيغية “الشيخ” أو الرائد..
فجاءت مداخلة الشيخ الرائد لشكر القيمين على الاحتفال بقصيدة أعرب فيها عن إحساسه العميق بهذا التكريم حيث صرح أنه دائما كان يتكلم عن الآخر “الإنسان” واليوم سيعطي حق الشاعر “ادريس” في كلماتٍ جد مؤثرة، عرج فيها على رحلته والشعر منذ الستينيات في رحاب الدار البيضاء مدينة الشعر والأدباء..
ثم وضح سيرورة إحساس الأمس القريب “البارح غير البارح في سنة 1966″، حيث استحضر الأحداث التي عاشها بالبيضاء آنذاك وربطها بالحاضر في لوحة اختزلت الزمن حد الاندهاش والإبهار.. أنْسَنَ فيها الزمان والمكان حيث يتربع “الإنسان” الساكن بعمق الشاعر منذ الأزل..برؤياه الفلسفية والصوفية حد التأليه..
فشكرا أستاذنا عملاق الشعر الزجل..على متعة اللقاء بك في أحضان مكتبة فرنسا الداعمة الروحية والفعلية للأدب..
تخلل الحفل كرم إدارة المكتبة الحاضنة بتقديم استراحة شاي كالعادة والحلويات، تلتها قراءات لشعرات وشعراء زجالين مغاربة..
شنفوا أسماعنا بقصائد بدأت بالفائزة في مسابقة غاليري الأدب للزجل ثم باقي المشتركين مصحوبة تلك القراءات بعزف رائع على الكمان بأداء أستاذ جمع ما بين الأداء الموسيقي الجميل والصوت الغيواني الرخيم فأجاد وأمتع الحاضرين…
تم اختتام الاحتفال الكبير بتوزيع جوائز رمزية تكريمية على الفائزين، وكانت هذه الهدايا من توقيع الأستاذ محمد لفطيسي مدير غاليري الصحافة.
شكرا للحضور الكريم وللإدارة المتوِّجة للحفل الأدبي الراقي..
كانت رائعة بكل المقاييس.

اقرأ أيضا

إسدال الستار على الدورة الثانية لمهرجان مراكش للكتاب الإفريقي

أسدل الستار مساء أمس الأحد، على فعاليات الدورة الثانية لمهرجان مراكش للكتاب الإفريقي، وذلك بتنظيم جلسة أدبية مغربية تناولت أهم المواضيع المجتمعية التي تشغل اهتمام الكاتبات والكتاب المغاربة.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *