عبء ليبي على تونس

إطلاق سراح الدبلوماسيين المختطفين في ليبيا نزل خبراً ساراً على تونس في أول أيام رمضان، ولأنه مثل نجاحاً أمنياً وسياسياً لحكومة مهدي جمعة، فإنه مناسبة تستدعي التأمل، وتدفع إلى مزيد من اليقظة والانتباه، فالحادثة من السهل أن تتكرر إذا لم تستوعب العبرة منها والعمل على استباق أسبابها .
لم يعد محل شك اعتبار ليبيا بكل ما فيها من فوضى وترقب قاتل عبئاً ثقيلاً على تونس . وطالما لم يتم حسم الأمر في طرابلس فستظل الجارة الشمالية تعاني وتدفع من رصيدها في الاستقرار والتنمية الكثير، وهو تحد صعب سيكون كسبه فتحاً عظيماً وحافزاً قوياً للتقدم والدخول في مرحلة جديدة على الصعد كافة . ومع الأسف، فإن كل ما تطفح به الساحة الليبية من أحداث لا تبشر بانفراج قريب . وسيكون على تونس تحمل المزيد، وبالإمكانات الاقتصادية المتواضعة، عليها أن تستوعب مئات الآلاف من الأشقاء، وعليها أيضاً أن تتحمل الإزعاج الأمني وصرف الأموال الطائلة في المجهود الأمني والعسكري للتصدي لظاهرتي تهريب السلاح والإرهاب .
خطف الدبلوماسيين العروسي القنطاسي ومحمد بالشيخ كان جزءاً من ذلك الثمن، والإفراج عنهما كان مكافأة لا ترقى إلى حجم التضحية التي قدمها التونسيون . ومع التذكير بأن العلاقة التونسية – الليبية، خاصة في عهد العقيد الراحل معمر القذافي، قد خضعت إلى المساومات والابتزاز، ولم تنبن على دعائم قوية تأخذ بمصالح الشعبين، فإنها كانت بعده أسوأ وأشد إحباطاً، وجاءت بمخاطر أكثر مما جلبت من خير مأمول . فعندما تم إسقاط نظامي القذافي وقبله زين العابدين بن علي كانت موجات التفاؤل عالية جداً لدى “الثوار”، ولم تكن تسمح لأحد أن يقول “ليس كل ما يأمله “الثوري” يدركه”، وها هي الأيام تقدم الدليل على أن الخطوات غير المدروسة سرعان ما تتوه بأصحابها عن طريق الصلاح والأهداف الوطنية . ومعنى هذا الكلام لا يعني أن التغيير لم يكن ضرورة، ولكن هو دعوة جادة لمراجعة التجربة وإعادة صياغة المواقف إزاءها، فبذلك فقط يمكن تأمين خروج آمن من هذه المتاهة المعقدة .
بنسبة مئوية عالية تتوفق تونس في الخروج من دائرة القلق وتوشك أن تطوي صفحة التجاذب الثوري بإجراء انتخابات تفضي إلى حكومة وضع دائم . أما في ليبيا، ورغم مرور نحو ثلاث سنوات، فمازالت في نقطة الانطلاق الأولى ولم تعرف من الثورة غير القتل والاغتيال والجريمة وتذويب هيبة الدولة بالتناحر المليشياوي وانتشار الجماعات الإرهابية . ومن هذا المنطلق فإن المقارنة بين البلدين لا تستقيم . ولأنها كذلك، فلن تكون العلاقة متكافئة . وفي ظل غياب سلطة ليبية قوية في ليبيا، لن تستطيع تونس التعويل على هذا البلد، ولن تتمكن من التعافي بيسر من ضائقتها الاقتصادية، كما لن تأمن مفاجآت غير سارة تأتيها من وراء الحدود . وأغلب الظن أن هذه المحنة لن تدوم، والانفراج آت في نهاية المطاف، وستعود ليبيا أفضل مما كانت، ولكن بعد فترة لا أحد يعلم حيزها في مستقبل الزمن .
“الخليج” الاماراتية

اقرأ أيضا

الملك يهنئ رئيس جمهورية سيراليون بمناسبة العيد الوطني لبلاده

بعث الملك محمد السادس برقية تهنئة إلى رئيس جمهورية سيراليون، جوليوس مادا بيو، بمناسبة العيد …

رجاء وعمر بلمير

رجاء وعمر بلمير يفرجان عن جديدهما “أنا اللي”

أفرجت الفنانة المغربية رجاء بلمير رفقة شقيقها عمر، مساء أمس الجمعة، عن جديدهما الفني “أنا …

مجلس الأمن.. حركة عدم الانحياز تشيد بالجهود الملكية لفائدة القضية الفلسطينية

أشادت حركة عدم الانحياز، أمام مجلس الأمن الدولي، بالجهود التي يبذلها الملك محمد السادس، رئيس …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *