أفادت صحيفة واشنطن بوست أن منصة يوتيوب منحت صانع محتوى متطرفا هندوسيا جائزة بعد بثه مقاطع فيديو تُظهر هجماته على 3 شبان مسلمين شمال الهند.
وقالت إن الشبان المسلمين كانوا على متن سيارة “هيونداي” بيضاء منطلقة على طريق ريفية عندما طاردتها سيارة دفع رباعي قبيل الفجر وهي تطلق صفارة إنذار.
وحاول الشبان المسلمون في السيارة الأمامية يائسين تفادي سيارة الدفع الرباعي التي كانت تقل أحد أشهر حماة البقر ويدعى مونو مانيسار (30 عاما) من ولاية هاريانا شمالي الهند، إلا أنهم فقدوا السيطرة على المقود واصطدموا بشاحنة خضروات ووقعوا في قبضة الهندوسي المتطرف.
وسحب مانيسار وعصابته المسلمين الثلاثة من سيارتهم المهشمة، ثم استجوبوهم وضربوهم، وفقا لمقاطع فيديو وروايات شهود. ولقي أحد الشبان المسلمين -ويدعى وارس- حتفه متأثرا بتهتك في الكبد نتيجة اللكمات والركلات التي تعرض لها.
وفي البث الذي كانت مدته 21 دقيقة، يسأل مانيسار ورفاقه الرجالَ الملطخة وجوههم بالدماء عن أسمائهم ومسقط رأسهم، ثم يطرحونهم أرضا كما يقف مانيسار وعصابته فوقهم، ممسكين بالبنادق وهم يبتسمون لالتقاط الصور.
لكن المقاطع التي سجلت أحداث فجر ذلك اليوم “المشؤوم” -وفق الصحيفة الأميركية- نُشرت على صفحة مانيسار الخاصة في فيسبوك. وارتكب الجناة فعلتهم بذريعة حماية البقر، الذي يقدسه أتباع الديانة الهندوسية.
ومنذ عام 2020، ظلت فرقة “حماية الأبقار” بقيادة مانيسار، تبث على الهواء مباشرة بشكل متكرر العمليات التي تنفذها في وقت متأخر من الليل لاعتراض السائقين المشتبه في نقلهم الأبقار وذبحها، وهي مهمة -كما تقول واشنطن بوست- غالبا ما يقوم بها مسلمون في الهند.
ودرج مانيسار على تصوير نفسه وهو يتبادل إطلاق النار مع شاحنات الماشية المتحركة ويصدمها بسيارته ذات الدفع الرباعي. وفي المقابل، ترك معجبوه على اليوتيوب وفيسبوك تعليقات مليئة بالرموز التعبيرية القلبية، يشيدون به على قيامه بعمل يباركه إلههم.
وعلى مدى قرن من الزمان، عمل حماة البقر في شمال الهند بشكل سري في منطقة رمادية يختلط فيها ما هو قانوني وغير قانوني من أفعال.
لكن حماة البقر هؤلاء أصبحوا “أكثر تطرفا وشهرة” في العقد الماضي، وذلك بفضل شركات وسائل التواصل الاجتماعي الأميركية التي تكافئهم وفق عدد المتابعين عبر الإنترنت، في حين يوفر لهم مسؤولو حزب بهاراتيا جاناتا -الذي يتزعمه رئيس الوزراء ناريندرا مودي- الحماية السياسية ويدافعون عن “فهمهم المتشدد” للقومية الهندوسية.
وتجسد هذه الظاهرة الناشئة المتمثلة في حراسة الأبقار كيف استخدم حزب بهاراتيا جاناتا والجماعات اليمينية المتحالفة معه منصات وسائل التواصل الاجتماعي الأميركية -بما في ذلك يوتيوب، وهي شركة تابعة لشركة غوغل، وفيسبوك وإنستغرام المملوكتان لشركة ميتا- استقطاب الجماهير الهندية، وحشد قاعدتها السياسية والتأكيد على سطوة الديانة الهندوسية.
وتقول الصحيفة إن ذلك يحدث بوحشية أحيانا، في واحدة من أكثر دول العالم تواصلا رقميا، ويعد هذا الجهد جزءا من حملة أوسع يقوم بها القوميون الهندوس المتحالفون مع مودي مستخدمين التكنولوجيا للترويج لأيديولوجيتهم وتعزيز سيطرتهم.
ورغم التحذيرات المتكررة من الناشطين الهنود، فقد أقدمت شركات وادي السيليكون على منح مانيسار منصة لبث العنف ساهمت في شهرته.
وفي أكتوبر الماضي، حصل مانيسار على جائزة “المبدع الفضي” من يوتيوب لوصوله إلى 100 ألف مشترك، والتقط صورة مع لوحته بجوار بقرة. وتبع ذلك تصاعد في نسب المشاهدة وزيادة العنف.
وفي يناير/كانون الثاني وفبراير الماضيين، ووفقا للشكاوى المقدمة إلى الشرطة والمحاكم، تورط مانيسار وأتباعه في العديد من عمليات إطلاق النار والقتل.
وفي أبريل الماضي، منح موقع إنستغرام حساب مانيسار شارة “تم التحقق” المخصصة للشخصيات العامة والمشاهير. وفي يوليوز الماضي، اتُهم مانيسار على نطاق واسع بالتحريض على أعمال شغب طائفية خلَّفت 6 قتلى خارج نيودلهي، عاصمة البلاد، بعد أن سخر من المسلمين في مقطع فيديو عبر تطبيق واتساب.
وفي اتصال مع صحيفة واشنطن بوست، قال مانيسار قبل عدة أسابيع إنه “ظل متخفيا” ويتجنب وسائل الإعلام، وامتنع عن التعليق على الاتهامات الموجهة إليه، وفي حديثه مع وسائل الإعلام الهندية في وقت سابق من هذا العام، نفى ارتكاب أي مخالفات جنائية فيما يتعلق بسلسلة حوادث العنف.
وقال متحدث باسم يوتيوب إن المنصة أوقفت بث قناة مانيسار قبل 4 أشهر بعد مراجعة مقاطع الفيديو الخاصة به. وقالت ميتا إن الشركة بشكل عام تزيل من منصاتها الحسابات التي تنتهك بشكل متكرر الحظر المفروض على المحتوى العنيف.
وذكرت واشنطن بوست في تقريرها أنها بدأت في وقت سابق من هذا العام تتبع حركة مانيسار في وسائل التواصل الاجتماعي ونزّلت 25 غيغابايتا من مقاطع الفيديو الخاصة به، قبل أن تغلق منصة يوتيوب حسابه في وقت تجري فيه شرطة ولاية راجاستان الهندية تحقيقا بشأن شبكته.
وتروي مقاطع الفيديو هذه والمنشورات الأخرى التي نشرها أنصار مانيسار، إلى جانب المقابلات مع رفاقه وضحاياهم وفحص مئات الصفحات من وثائق الشرطة وملفات المحكمة؛ حكاية زعيم عصابة روّع مجتمعات الأقلية المسلمة في منطقتين بولايتي هاريانا وراجستان.
وردا على سؤال من صحيفة واشنطن بوست حول سبب عدم تحرك يوتيوب سريعا لإغلاق قناة مانيسار، قال المتحدث باسم المنصة جاك مالون إن يوتيوب تستخدم مزيجا من البرامج والمراجعة البشرية لتحديد مقاطع الفيديو “الإشكالية”، لكن “أنظمتنا في بعض الأحيان لا تكتشف الانتهاكات المحتملة”.
وقالت الصحيفة إن مانيسار اعتاد -أثناء تصويره للعمليات التي يقوم بها- على أن يرقص ويجبر أسراه من المسلمين على أكل روث الأبقار.
وأضافت أن شرطة ولاية هاريانا لم تُهرع إلى مكان الحادث إلا بعد 90 دقيقة من اصطدام سيارة الشبان المسلمين بشاحنة الخضروات بدون أي تدخل من جانبها.
وأشارت إلى أن رواية شرطة هاريانا وحماة البقر للحادث تختلف عن حقيقة ما حدث، وهي تلقي اللوم على الشبان المسلمين الثلاثة وتتهمهم بتهريب بقرة قبل اصطدام سيارتهم بالشاحنة. وذكروا في روايتهم أن حماة البقر حاولوا إنقاذ الشبان، لكن وارس كان قد فارق الحياة متأثرا بجروح نتيجة تصادم السيارتين.
واستمر مانيسار في النشر، معلنا على وسائل التواصل الاجتماعي في يوليو/تموز أنه وفريقه سيحضرون عرضا سنويا ينظمه قوميون هندوس في شوارع منطقة ميوات ذات الأغلبية المسلمة، لكن صناع المحتوى المسلمون في يوتيوب تعهدوا بأنهم سيلقنون مانيسار درسا إذا ظهر في العرض؛ إلا أنه لم يفعل.