نجح المغرب اسبانيا، في احتواء ازمة دبلوماسية، أطلت برؤوسها منذ أسابيع، وكادت ان تعود بعلاقات البلدين الى مربع التوتر الذي يظهر ويختفي، من وقت لآخر، والاسباب دائما موجودة لمعاودته.
وفي هذا السياق، اكدت مصادر من الخارجية الاسبانية، ان صلاح الدين مزوار، رئيس الدبلوماسية المغربية، سيشارك غدا الاثنين في اجتماع برشلونة الذي سيفتتحه رئيس الوزراء الاسباني ماريانو راخوي، وتناقش خلاله دول ضفتي المتوسط، بما فيها اسرائيل وفلسطين، قضايا التعاون والجوار.
وكان المغرب لمح الى انه سيتغيب عن اجتماع “برشلونة” في ظل سحب التوتر المخيمة على سماء العلاقات بين الرباط ومدريد. وساد الاعتقاد ان المشاركة المغربية ستكون محصورة في السيدة مباركة بوعيدة،كاتب الدولة في الخارجية والتعاون.
وكان مزوار،غاب عن اجتماع يوم السابع عشر من مارس،خصص في مدريد لمناقشة موضوع “الوساطة “في البحر الابيض المتوسط، وحينها ادرك الاسبان ان المغرب مستاء من مواقف مباغتة وغير مفهومة، صدرت عن الخارجية الاسبانية، تجلت أولا وبوضوح في انتفادات شديدة اللهجة وجهت لرئيس الوزراء الاسباني الاسبق، خوصي لويس ثباطيرو، كونه لبى دعوة منتدى “غراس مونتانا” السويسري،وليس المغربي، الذي نظم ملتقى في مدينة الداخلة بالصحراء المغربية.
وربط وزير الخارجية الاسباني “مارغايو” بشكل متعسف،بين حضور الزعيم الاشتراكي الاسبق، وموقف الاتحاد الافريقي من نزاع الصحراء، ناسيا ان قرارات تلك المنظمة التى انسحب منها المغرب،لا تلزم الرباط في شيء، فضلا عن كونها تحشر انفها في ملف تتولاه الامم المتحدة منذ سنوات.
وجاء الحادث المأساوي الذي تعرض له مستكشفون اسبان، اقدموا على مغامرة محفوفة بكل المخاطر، حين حاولوا الوصول الى مغارات عميقة، بالتسلق بين القمم الصخرية المنعرجة في جبال الاطلس، جاء ليزيد الطين بلة، فقد اندفعت بعض وسائل الاعلام الاسبانية في حملة ضارية على المغرب،اتهمته بالتقصير وعدم القدرة والكفاءة والفشل في اسعاف المستكشفين الذين توفي اثنان منهم بل حمل صراحة مسؤولية الحادث المؤسف.
لكن القضية التي أ فاضت الكأس، تمثلت في تحريك القاضي الاسباني، بابلو رويث، من المحكمة الوطنية بمدريد،لملف دعوى قديمة، رفعتها عام 2007 عناصر صحراوية ادعت حينئذ ان افرادا من عائلاتها تعرضوا لابادة على يد القوات المغربية في الصحراء خلال الفترة الممتدة من عام 1975 حينما رد الجيش المغربي على هجومات عصابات مسلحة تابعة لجبهة البوليساريو، مدعومة بالمال والسلاح من لدن الجزائر وليبيا.
وبناء على هذا الاتهام، قرر القاضي پابلو روث، الذي ورث الملف عن زميله الشهير، بالتسار غارثون، متابعة 11 مسؤولا امنيا وعسكريا مغربيا، بتهم ثقيلة من قبيل الابادة ودفن الاموات في قبور جماعية.
وظل المغرب، مراقبا على مضض للملف، حرصا منه على صيانة علاقاته بجارته الشمالية من التدهور،إلى أن أ صدر يوم السبت الماضي، وهو يوم عطلة ادارية، بلاغا باسم وزارة الخارجية، ما يعكس الطابع الاستعجالي ؛ وضع فيه النقط على الحروف واشار صراحة للدعوى المحركة ضده.
واتسم بيان الخارجية المغربية، بالحسم والتوازن، انتقيت عباراته بدقة وفيه جدد ارادته على دعم علاقات التعاون مع اسبانيا،ولكنه بذات الوقت يقف بحزم ضد مزاعم خصومه الذين يسعون لالحاق ضرر بتلك العلاقات، مستغلين القضاء الذي يوجد به للاسف، أشخاص يطمحون الى تحقيق مجد شخصي.
وورد في ذات البيان ان الرباط مستعدة للتعاون مع السلطات القضائية الاسبانية في اطار السيادة الوطنية التي تمنع متابعة مغاربة من لدن عدالة دولة اجنبية.
ولم ينكر البيان المغربي حدوث تجاوزات من الطرفين، في اجواء صراع اقليمي ودولي كانت معارك الاراضي الصحراوية المسترجعة من اسبانيا، مسرحه.
ويرى بيان الخارجية المغربية ان ملفات انتهاكات حقوق الانسان،ان ثبتت، تم طيها وتجاوزها من طرفه،وجرى تعويض كل الضحايا والمتضررين منها، من خلال العمل الذي قامت به هيئة الانصاف والمصالحة التي بتت في اعقد الملفات، في اطار العدالة الانتقالية، وشمل عملها المناطق الصحراوية، وحظي بثناء دولي
وبعيدا عن البيان المغربي الواضح والدقيق، تجدر الاشارة الى ان القاضي الاسباني المعزول، غارثون، اكتشف اثناء تحرياته الاولى في الشكوى التي حرضت عليها جمعيات حقوقية مؤيدة لجبهة البوليساريو، اكتشف ثغرات كبيرة في الادلة التي تقدم بها رافعو الدعوى على الرغم من الحيل القانونية التي امدهم بها حقوقيون معروفون بخدمة جبهة البوليساريو وترويج خطابها الاتهامي ضد المغرب، بل ان التحريات والحفريات في الاراضي الصحراوية، قام بها ناشطون اتفصاليون اسبان،من اقليم الباسك الاسباني،وهم الذين مولوا التنقيب بين الرمال بحثا عن قبور جماعية. ولم تخضع الرفات التي تم العثور عليها، لتحليلات علمية مستقلة ولذلك فان الشك العلمي قائم بشأنها.
ومن مفارقات الملف المضحكة ان الاتهام بالابادة الجماعية، وجه اصلا لعدد اكبر من المسؤولين المغاربة،بينهم من كان عام 1975 تلميذا بالتعليم الثانوي ولذلك فان المغرب سخر من الاتهام.
ويرى متابعون لشأن العلاقات بين المغرب واسبانيا، ان الاول عرف كيف يستعمل هذه المرة، اوراقه الرابحة بهدوء وذكاء، بينما راهن خصومه على تصعيد الأزمة بينه وبين إسبانيا العضو الجديد غير الدائم في مجلس الامن الذي سيناقش التقرير الذي رفعه الامين العم للامم المتحدة، لتمديد مهمة بعثة المينورسو، ودعوة الطرفين الى التعاون مع المبعوث الشخصي للامين العام، كريستوفر روس، الذي اصبح مطمئنا لتجاوب المغرب
مع مهمته،على ضوء التطورات الاخيرة بخصوص ملف الصحراء والتي صبت في مجملها في صالح المقاربة المغربية.
وفي هذا السياق،لم يتضمن تقرير، بان كي مون، أية اشارة لتوسيع مهمة المينورسو،لتشمل مراقبة حقوق الانسان في الصحراء، كما خلا التقرير من ذكر لدور يطمح اليه الاتحاد الافريقي للعبه في النزاع، خاصة وقد عين وسيطا بصورة انفرادية،دون استشارة المغرب.
ومن جهة اخرى، وفي تطور غير مسبوق، دعا تقرير الامين العام الأممي الى احصاء اللاجئين الصحراويين في مخيمات، تندوف، وهو الطلب الذي تعارضه الجزائر،لانه سيعري اسطورة الشعب الصحراوي، التي يتم الترويج لها منذ سنوات الحرب الباردة، بنفس المنطق والادوات، مع ان الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي، انتهى بينهما الى تفاهم، انعكس إيجابيا في مجال العلاقات الدولية الراهنة.