انفصام في “نداء تونس”

الأزمة المتفجرة في صلب حركة “نداء تونس” تومئ بإشارات سيئة عن استقرار هذا الحزب الأكبر في البرلمان التونسي . وربما يؤدي استفحال الشقاق بين تيارين على الأقل داخله إلى إرباك المشهد السياسي في البلاد، ويضعف أداء السلطات الجديدة التي وصلت الحكم بعد انتخابات مشهودة بين شهري أكتوبر/ تشرين الأول وديسمبر/ كانون الأول الماضيين، احتلت “نداء تونس” صدارتها، وبموجب ذلك تولى مؤسسها الباجي قائد السبسي رئاسة الجمهورية وتشكلت حكومة وحدة وطنية أغلبها كفاءات برئاسة الحبيب الصيد.
قيادات الحركة، التي ارتفعت شعبيتها من العدم إلى القمة في وقت قياسي، ظلت تقول إن حركتها حزب غير تقليدي متعدد الروافد والمشارب، وتتباهى بأن تركيبتها تضم النقابي واليساري والمستقل والدستوري ومن بقايا الحزب الحاكم السابق، وتؤكد أن هذا التنوع سيقدم تجربة مختلفة تعلي المصلحة الوطنية عما عداها من الخلفيات، ولكن تجربة الحركة القصيرة في السلطة أفرزت إلى الآن تجاذبات سياسية خطيرة تهدد بأن ينقسم الحزب الأكبر إلى مجموعات أحزاب صغرى، إلا إذا استطاعت الأطراف المتصارعة أن تصل إلى كلمة سواء تحل هذه الأزمة جذريا بما يسمح لتونس بالتفرغ لمواجهة تحديات جسيمة بعيدا عن متابعة انفصام حزب من الأحزاب.
كان متوقعا منذ ما قبل الانتخابات أن تطفو التناقضات داخل “نداء تونس” إلى السطح، بعدما ظلت تلك التناقضات كامنة خلف تطلعات منتسبي الحركة للفوز بالسلطة وإزاحة حركة “النهضة” الإسلامية وحلفائها من المشهد كقوة سياسية أولى، ولكن المشكلة التي سقطت فيها النخبة “الندائية” أن أغلب قياداتها ترى نفسها متكافئة لاسيما بعد استقالة الباجي قائد السبسي لتوليه رئاسة الجمهورية. وفي ظل عدم إجراء انتخابات داخلية والتئام مجلس وطني يضبط الحركة ويحدد القيادات والمسؤوليات داخلها، لن تحل الأزمة وستتواصل مع الأيام لتعطي في النهاية صورة سيئة عن الحزب وعن تونس التي ينظر إليها كديمقراطية ناشئة تثير الاهتمام الدولي والتعاطف لدعمها والنهوض بأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية.
بعض المراقبين يأملون تدخلا من قائد السبسي ليعالج بحنكته السياسية أزمة الحركة التي أسسها . وإلى حد الآن يمكن لتدخل من هذا القبيل أن يمتص بعض الاحتقان من دون أن يزيله نهائياً. فالتجاذب الجاري ليس غريباً عن الأحزاب الكبيرة لاسيما في أول عهدها بالسلطة . ولكن الخطورة أن ينسحب ذلك على استقرار الحكومة والبرلمان. فأي زلزال كبير في “نداء تونس” ستلاحظ ارتداداته في مؤسسات الدولة . وفي هذا التوقيت والظرف الراهن لن تتحمل تونس أزمة سياسية خارجة عن السيطرة . فالتونسيون الذين انخرطوا في الانتخابات على ثلاث مناسبات العام الماضي طمحوا إلى إيجاد سلطة مستقرة بعدما سئموا لثلاث سنوات من التجاذب السياسي داخل الائتلاف الحاكم السابق وصدعهم كثيراً التراشق الإعلامي بين من كانوا في السلطة ومن بقوا في المعارضة.
الآن تكاد تلك الاسطوانة تتكرر ليس بين مجموعة من الأحزاب وإنما داخل حزب واحد حصل على أكبر ثقة من أصوات الناخبين . وإذا لم تقع السيطرة على هذه الأزمة ويتحلى قياديو “نداء تونس” بالمسؤولية المطلوبة، فستكون النتائج ليست في مصلحتهم ولا في مصلحة تونس التي يؤكدون أنهم نداؤها إلى الاستقرار والتقدم والأمن والعيش الكريم.

*كاتب صحفي/”الخليج”

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *