ما تريده إسرائيل وما يريده الفلسطينيون من الحرب

الجولة الجديدة من الحرب المعممة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة والضفة منذ عملية الخليل – اختفاء ومقتل ثلاثة مستوطنين- ، تُدرج في إطار إرهاب الدولة بكل معنى الكلمة، ولو كان هناك ضمير عالمي محايد لَتوَجَب تقديم قادة إسرائيل لمحاكم دولية كمجرمي حرب. ولكن يبدو أنه مكتوب على الفلسطينيين أن يستمروا كشهود عصر على أفظع جريمة دولية أرتكبها الغرب في القرن العشرين، عندما قام  بمحاولة تصحيح أو التكفير عن جريمة ارتكبها بحق اليهود في أوروبا، بجريمة أكثر فظاعة، وهي إقامة دولة إسرائيل ككيان عنصري استعماري على حساب الشعب الفلسطيني، لتصبح دولة إسرائيل الدولة الاستعمارية العنصرية الإرهابية الوحيدة المتبقية في العالم، وليبقى شعب فلسطين الشعب الوحيد في العالم،الذي ما زال ليس فقط مستعمَرا، بل مُهدَدا بوجوده الوطني.
لأن اليهود أقاموا دولة عام 1948 ليس اعتمدا على قوتهم الذاتية، أو اعتمادا على قوة حقهم في فلسطين، بل نتيجة مكرهم ودهائهم، ونتيجة توازنات وحسابات دولية، فإنهم ما زالوا يعتقدون أنهم بالمكر والكذب والإرهاب، وما بنوه من قوة دولتهم، واستغلال التوازنات الدولية وهيمنة حليفهم الأمريكي على الفضاء الدولي الرسمي، بمقدورهم استكمال مشروعهم التوراتي بإقامة دولة يهودية على كامل فلسطين، ويمنعوا الفلسطينيين من حقهم بدولة ولو في حدود ما تعترف به الشرعية الدولية بأنها أراضي محتلة – الضفة الغربية وقطاع غزة – . وفي هذا السياق يأتي الإرهاب الصهيوني ضد الفلسطينيين وتهرُبَ إسرائيل من تنفيذ القرارات الدولية والاتفاقات الموقعة التي تروم التوصل إلى تسوية تُمَكِن الطرفين من العيش معا وجنبا لجنب في كيانين سياسيين مستقلين.
عندما مارس الفلسطينيون في بداية ثورتهم المعاصرة، حقهم المشروع دوليا بالمقاومة المسلحة ضد الاحتلال لإقامة دولة يعيش فيها الجميع من يهود ومسيحيين ومسلمين، اتهمتهم إسرائيل ومعها واشنطن بأنهم إرهابيون ! وعندما رفعوا شعار (غصن الزيتون بيد والبندقية بيد) وقبلوا بدولة على حدود 22% فقط من دولتهم التاريخية، أيضا تم اتهامهم بالإرهاب، بل وتم قتل رئيسهم ياسر عرفات الذي وقع وثيقة الاعتراف بحق إسرائيل بالوجود، ووقع على اتفاقية سلام، وزار البيت الأبيض أربعة عشر مرة،وقَبَّل يد مادلين اولبرايت مرات. وعندما جاء الرئيس أبو مازن وأبدى من المرونة أكثر من أبو عمار، بل وقال ما معناه: جئت أحمل غصن الزيتون فقط،أما البندقية فهي عبثية ولن نلجأ لها، لم يكن موقف إسرائيل منه أفضل من موقفها من أبو عمار، بل قصدت إسرائيل أهانته وإحراجه مع شعبه من خلال تكثيفها للاستيطان والتهويد، وتقطيع الضفة إلى كانتونات، وبناء جدار الفصل العنصري،وانسحابها أحادي الجانب من غزة عام 2005 بهدف فصل غزة عن الضفة وجعل من الاستحالة قيام الدولة الفلسطينية الخ.
وعندما تلجأ اليوم غالبية فصائل العمل الوطني والإسلامي : حركة حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية ولجان المقاومة وكتائب شهداء الأقصى الخ، إلى العمل العسكري المتاح وهو إطلاق الصواريخ، سواء تحت شعار: تلبية نداء الواجب الوطني، أو لكسر الحصار عن غزة، أو دعما لأهلهم في الضفة والقدس، أو لأي سبب آخر، تصرخ إسرائيل وتستنجد بالعالم لينقذوها مما تسميه بالإرهاب الفلسطيني ! متناسية تاريخها الإرهابي منذ مجزرة دير ياسين وخانيونس وقبية، مرورا بمجزرة مدرسة البقر في مصر، وقانا في لبنان، وقبلها مجزرة صبرا وشاتيلا، وآلاف الفلسطينيين من الأطفال والنساء والشيوخ والشباب الذين سقطوا وما زالوا يسقطون في الضفة وغزة على يد جيشها ومستوطنيها، كجريمة اختطاف وحرق الطفل الفلسطيني محمد خضير حيا على يد المستوطنين،وأخرها الجرائم التي ترتكبها آلة الحرب الجوية والبرية والبحرية اليوم في قطاع غزة، كقصف منازل سكنية على رؤوس الساكنين كما جرى مع عائلات كوارع  وحمد وغنام الخ .
إسرائيل لا تريد أن ينال الفلسطينيون حقهم في دولة مستقلة عن طريق المقاومة سواء المسلحة أو الشعبية، ولا تريد أن ينالوها عن طريق المفاوضات والاتفاقات الثنائية، ولا تريد أن ينالوها عن طريق الأمم المتحدة، فماذا يفعل 12 مليون فلسطيني نصفهم في الشتات ونصفهم داخل وطنهم ؟ وكيف نصنف أو نكيف قانونيا علاقة إسرائيل بالفلسطينيين في الضفة وغزة ؟ هل هي علاقة دولة احتلال بشعب خاضع للاحتلال؟ إسرائيل ترفض هذه العلاقة لأنها لا تعترف بأن الضفة والقدس أراضي محتلة، وهناك قوانين وشرائع دولية تحكم علاقة دولة الاحتلال بالشعب المُحتَل، وفي نفس الوقت لا تريد أن تمنحهم الاستقلال. هل تريد إسرائيل من الفلسطينيين أصحاب الحق والأرض والذين يعود تاريخهم إلى أكثر من أربعة آلاف سنة، الفلسطينيون أنبل وأشرف شعوب الأرض، هل تريد إسرائيل منهم أن يعيشوا عبيدا لها ولأنظمة عربية وجهات مانحة أجنبية ؟ هذا ما لا يمكن أن يكون.
المشكلة لا تكمن في إسرائيل والغرب فقط، بل أيضا في عالم عربي وإسلامي يتم
إعادة تَشَكلِه ما بعد سراب الربيع العربي، بما يضعه في حالة معاداة وكراهية للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة،أو في أفضل الحالات في حالة عجز عن تقديم يد المساعدة لهم. ونقول للأنظمة العربية ومنها على وجه الخصوص تلك التي تريد قيادة الأمة العربية : إن القضية الفلسطينية والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في نضاله من اجل الحرية والاستقلال، هو المدخل لقيادة العرب أو لتبوء مكانة دولية، ولا يمكن تبرير تقاعسها وترددها بسيطرة حماس على قطاع غزة،والقضية أكبر من حركة حماس ومن قطاع غزة. كما لا يمكن قبول الخطاب العربي الذي يتحدث عن عنف متبادل بين الفلسطينيين والإسرائيليين،لأنه لا يمكن أن نضع الضحية والجلاد في مرتبة واحدة.
بالمقابل الفلسطينيون ليسوا ملائكة، وهناك أوجه خلل كثيرة في أدائهم السياسي والعسكري، كما لا تنتابهم أوهام أنهم يستطيعوا من خلال إطلاق الصواريخ وأشكال المقاومة الأخرى في الضفة،أن يهزموا إسرائيل ويقضوا عليها الآن. ولكن إن كان لدى المنتظم الدولي أو أية دولة تصور أو حل عملي للقضية الفلسطينية يوقف الاستيطان والعدوان، ويحفظ للفلسطينيين كرامتهم وحقهم بالعيش في دولة مستقلة، تقبل به إسرائيل وواشنطن ومستعدتان لتطبيقه، فالفلسطينيون مستعدون للقبول به، ومستعدون لإعادة سيوفهم إلى أغمدتها، ليتفرغوا لبناء دولتهم وليعيشوا بسلام كما تعيش بقية دول الأرض،فالفلسطينيون شعب (يحب الحياة ما استطاع إليها سبيلا).

اقرأ أيضا

بمشاركة المغرب.. مجلس وزراء الأمن السيبراني العرب يعقد اجتماعه بالرياض

شاركت المديرية العامة لأمن نظم المعلومات التابعة لإدارة الدفاع الوطني، اليوم الإثنين بالرياض، في أشغال …

مزور يعرض حصيلة دعم مشاريع الشباب وتنمية روح المقاولات

أعلن رياض مزور وزير الصناعة والتجارة، إطلاق مشاريع تهدف إلى تعزيز الإدماج الاقتصادي للشباب. وأبرز …

المغرب يكرس ريادته الأفريقية بمبادرات غير تقليدية.. هل يفهم جنرالات الشرق الدرس؟!

ثمانية أعوام مرت على استعادة المغرب لمقعده في الاتحاد الأفريقي، قام خلالها بتعويض غيابه عن المنظمة القارية الذي دام ثلاثة وثلاثين عاما، وهدم ما بناه جنرالات الجزائر خلالها من تحالفات معاندة للوحدة الترابية المغربية

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *