يطرح المثقفون العرب اليوم جملة من التساؤلات في ظل ما يجري في الوطن العربي منذ اكثر من ثلاث سنوات، وما اصطلح على تسميته بـ«الربيع العربي» وما يعم بعض بلداننا من عنف تحت شعار الاسلام… وسيادة لغة الطائفية والمذهبية والتقسيم. هل نحن في زمن «موت الروح القومية العربية»؟ وهل البديل المطروح هو «اسلام» عنيف ومدمر ومقسم وممزق للاوطان؟ وهل ان «الديموقراطية» التي كانت شعار الشارع المنتفض في عدد من الاقطار العربية تقف على نقيض من العروبة ؟
بل ان البعض يرى ان مفهوم «الامة العربية» لم يعد صائبا ولا يصلح للعصر في ضوء تجارب صعود المد القومي في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ـ زمن عبد الناصر والوحدة المصرية ـ السورية وصعود المقاومة الفلسطينية المسلحة وتتويج القضية الفلسطينية قضية مركزية للامة العربية.
هل ثمة تناقض بين الديموقراطية والعدالة والحرية من جهة والقومية من جهة أخرى؟ علما أن القومية في الاساس انتماء للامة ككل ـ احسسنا بهذا ام لا ـ فما دام ثمة عربي فالقومية موجودة، والاهم هو فهم وادراك متطلباتها الوطنية والانسانية، ذلك ان التمترس وراء القومية ومعاداة «الآخرين» تعصب وشوفينية تسلب المفهوم القومي صلته العميقة انسانيا.
بالتأكيد مر العرب بتجارب قاسية خلال العقود الستة الماضية، من ضياع فلسطين الى سيادة وشيوع الانظمة الديكتاتورية والقمعية والامنية التي غذت نزعة الفساد والاستحواذ وقابلت المطالب الجماهيرية المحقة بالعنف والسجن والتشريد وكيل الاتهامات. وليس غريبا ان يقول التحليل ان هذه الانظمة التي غالبا ما كانت ترفع الشعارات القومية تسببت في ظهور تيارات واتجاهات مضادة تماما، ومرتبطة آليا ـ بوعي ام من دون وعي ـ بالمشروع الصهيوني الاميركي الهادف الى تقسيم الوطن العربي والاستحواذ على ثرواته وفرض هيمنة على مقدراته.
لكن ليس من الحقيقة ولا الموضوعية القول ان الامة في هبوط ليس بعده صعود على الاطلاق. فالامم الحية، ومنها الامة العربية، تمر بمراحل الصعود كما بمراحل الهبوط. بيد أن الهبوط ليس هو القدر المحتم الذي لا صعود بعده.
الصورة العربية اليوم تقول بسيادة روح القتل والتمزيق وما تعبر عنه التيارات الشوفينية الدينية ـ الطائفية والمذهبية – لن يكون نهاية المطاف. فان كان المطلوب هو الديموقراطية، فالمتعصبون طائفيا ومذهبيا يقفون بالضد تماماً منها ومما تتطلبه من قبول للآخر وحوار منطقي ومودة إنسانية.
ما شهدته تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا وما يشهده العراق حالياً ليس صراعاً من اجل «الديموقراطية» بقدر ما هو نزوع وحشي نحو الاستحواذ بالسلطة وممارسة الفساد واشاعة الخوف والفرقة بين ابناء الامة الواحدة وتحت غطاء «ديني» لا تعرفه ابدا الاديان السماوية.
وإذا كانت تجربة الانظمة الشمولية والفردية والديكتاتورية الامنية قد فشلت وكان نتاجها ما يجري اليوم في عدد من الاقطار العربية، فلا يعني ان يكون البديل «داعش» او سواها من تنظيمات القتل والجريمة والحرب على الآخرين الى حد إلغاء وجودهم نهائيا.
والخيار العربي ليس بين «الديموقراطية» و«الطائفية» ابداً بل هو بين سيادة العدالة والحريات والتعايش والتخلي عن العصبية الطائفية والمذهبية والقومية وبين أن تعم الفوضى والاقتتال والدمار. والتشخيص الدقيق للعدو والتوجه الى الخلاص منه بكل الطرق المتاحة هو اول سبل الخلاص. والعدو اليوم، كما كان امس، هو الاستعمار الغربي بكل مفرزاته وعلى رأسها ناتجه الصهيوني الاستحواذي العدواني التوسعي، وكل من يتعامل معه تحت أي مسمى أو راية او شعار.
“السفير” اللبنانية
اقرأ أيضا
المنتدى المغربي الموريتاني يرسم مستقبل تطور العلاقات بين البلدين
أشاد المنتدى المغربي الموريتاني، باللقاء التاريخي بين الملك محمد السادس والرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ …
مكسيكو.. مشاركة مغربية في مؤتمر دولي حول حماية البيئة
شارك الأمين العام لحزب الخضر المغربي ورئيس أحزاب الخضر الأفارقة، محمد فارس، مؤخرا بمكسيكو، في مؤتمر دولي حول حماية البيئة.
أليس لجنرالات حكم الجزائر من يُصحِّيهم
إنه إعصارٌ اندلع هُبوبًا على الرُّقعة العربية من هذا العالم، له جذورٌ في “اتفاقيات سايكس بيكو”، ولكنه اشتدَّ مع بداية عشرينات هذا القرن وازداد حدة في غزة، ضد القضية الفلسطينية بتاريخها وجغرافيتها، إلى أن حلَّت عيْنُ الإعصار على سوريا، لتدمير كل مُقوِّمات كيانها. وهو ما تُمارسُه إسرائيل علانية وبكثافة، وسبْق إصرار، نسْفًا للأدوات السيادية العسكرية السورية.