بالرغم من مواقف فرنسا من الهجرة، إلا أنه لولاها لما عرفت بلاد الأنوار قدوم مبدعين و كتاب أغنوا أدبها الوطني بمؤلفاتهم.
بعض هؤلاء ألف بلغته الأصلية أعمالا معروفة قبل أن يقدم على خطوة الانتقال إلى مغامرة الكتابة بلغة موليير، والبعض الآخر بصم مساره الأدبي بأكمله بهذه اللغة التي اختارها لتعبر عن ما يخالجه من مشاعر ويحوم داخل رأسه من أفكار، لكنهم جميعا ساهموا في منح الأدب المكتوب باللغة الفرنسية مسحة أكثر غنى وتنوعا.
لنتعرف على قائمة متنوعة من 5 كتاب منهم من ترك بصمته في الحياة الأدبية في فرنسا ومنهم من منحته اللغة الفرنسية شهادة ميلاده الأدبي والنجاح الجماهيري الذي كان يسعى وراءه.
صامويل بيكيت
هو أحد أشهر كتاب المسرح في القرن العشرين. صامويل بيكيت قدم إلى فرنسا في ثلاثينات القرن الماضي، حيث كانت باريس قبلة للكتاب المغتربين سواء من أوروبا أو الولايات المتحدة. ولعه بالأدب الفرنسي واللغة الفرنسية جعل هذا الأيرلندي الذي عمر طويلا، مخلفا وراءه مؤلفات عدة في المسرح والرواية والشعر، يتجاوز الحد الفاصل بين إنجليزيته الأم وفرنسيته المعتنقة، حيث ظل ينتقل بين اللغتين في مؤلفاته ويجمع بينهما من خلال ترجمة أعماله بنفسه.
من بين العشرات من المؤلفات التي نشرت لصامويل بيكيت في الأصل بالفرنسية، قيد حياته وبعد رحيله عن العالم، نستحضر بالخصوص “في انتظار غودو” “وآه لتلك الأيام الجملية”.
ميلان كونديرا
جاء الروائي التشيكي ميلان كونديرا إلى فرنسا عام 1975 ليدرس الأدب المقارن في جامعة رين فارا من مقص الرقيب المفروض عليه في بلاده. بعد سنوات من المقام ببلاد الأنوار، دخل مؤلف رواية “كائن لا تحتمل خفته” معترك المغامرة الفرنسية بداية من خلال مراجعة ترجمات كتبه قبل أن يتجه إلى التأليف.
مثلت “البطء” عام 1995 باكورة أعماله كونديرا الروائية باللغة الفرنسية، وقبل ذلك سبقتها أعمال في النقد الأدبي والفني، وأعقبتها روايات مثل “الجهل” و”حفل اللامعنى”.
أمين معلوف
عام 1975 دفعت الحرب الأهلية الصحفي اللبناني أمين معلوف وعائلته إلى الهجرة إلى فرنسا حيث اشتغل في مهنة المتاعب وتقلد مهمة رئاسة تحرير مجلة “جون أفريك” الشهيرة.
بعد محاولات متكررة لنشر كتاباته باءت بالفشل، وجد مؤلفه “الحروب الصليبية كما يراها العرب” طريقه إلى المكتبات عام 1981، لتتوالى الأعمال الناجحة مثل “ليون الإفريقي” و”سمرقند” و”حدائق النور” و”سلالم الشرق”، وكلها أعمال تمتاح من الإرث المشرقي أو تدور حول شخصيات تاريخية.
الاعتراف بأدب أمين معلوف توج بنيل الكاتب اللبناني لشرف الالتحاق بالأكاديمية الفرنسية وظفره بجائزة “غونكور” العريقة عام 1993، فضلا عن جوائز وتقديرات أخرى عدة.
عتيق رحيمي
على غرار أمين معلوف، دفعت الحرب بالكاتب الأفغاني عتيق رحيمي إلى الفرار إلى فرنسا التي جاءها طالبا اللجوء السياسي.
مساره الإبداعي دشن بروايته المكتوبة بالفارسية “أرض ورماد”، التي حولها إلى فيلم سينمائي من إخراجه، لتليها أعمال روائية أخرى بالفارسية قبل أن تشكل “حجر الصبر” نقلته إلى رحاب لغة موليير. الرواية حازت عند صدورها عام 2008 على جائزة “غونكور” التي كرسته كأحد الكتاب المهمين القادمين من خارج فرنسا، والذي لديهم ما يقولونه بلغة أهل البلد، حيث صار على هؤلاء الإنصات إليهم بإمعان.
ياسمينا خضرا
يقول إن اختيار اللغة لم يكن مهما بالنسبة له بقدر ما كانت الكتابة هي الأهم. لكن العسكري الجزائري السابق، الذي نزع عنه جبة الجندي وارتدى عباءة الكاتب، اختار لغة المستعمر في نهاية المطاف. محمد مولسهول، المعروف أدبيا باسمه المستعار ياسمينا خضرا، هو أحد أكثر الكتاب المغاربيين إنتاجا باللغة الفرنسية.
المرأة حاضرة بقوة في أعمال الكاتب الجزائري، وهو ما جعله يختار لنفسه اسما أنثويا يعتبره بمثابة ثورة على التقاليد السائدة في المجتمعات العربية الإسلامية التي تهضم حق المرأة حسب رأيه.
نجاح ياسمينا خضرا يبقى جماهيريا أكثر على ما يبدو أكثر منه نجاحا في الأوساط النقدية أو الأدبية، حيث تعد رواياته من بين الكتب الأكثر مبيعا. من بين أكثر أعماله الناجحة نذكر “فضل الليل على النهار” و”سنونوات كابول”.