في خضم الفوضى الليبية العارمة التي تزهق أرواح المزيد من الأبرياء يوميا، وتهدر الثروات الليبية وتزيد من تأزيم أوضاع المواطنين في مختلف المناطق الليبية، يبدو أن منطق الاستقطاب وعقلية الإقصاء هما الأعلى صوتا، إلى أجل غير محدد، وهو الذي يلقى بظلال كثيفة على مستقبل هذا البلد العربي العزيز برمته.
استقطاب دخلت فيه مجمل البلاد العربية التي شهدت ثورات وحراكات اجتماعية ضد دكتاتورييها ونظمها الاستبدادية، وأسهم في إشاعة الفوضى الدموية في ليبيا وتونس ومصر واليمن وسوريا والعراق، وبدرجة أقل في البحرين والسودان والجزائر، ولا ندري من هو البلد المرشح التالي.
وبالعودة إلى ليبيا، يتعامل مختلف الفرقاء السياسيين بمنطق الغلبة، منذ اللحظة التي سقط فيها العقيد القذافي ورموز نظامه. وهكذا، وما أن استقر الوضع لليبراليين في مجلس النواب الجديد الذي لا يحتل الإسلاميون رسميا سوى 23 من مقاعده المنتخبة ال 188، حتى أعلنوا اعتبار الميليشيات ذات التوجه الإسلامي والمناطقي (مصراتة) تنظيمات إرهابية، وتحديدا مجموعة التنظيمات المنضوية تحت لواء “فجر ليبيا” في طرابلس، و “أنصار الشريعة” في بنغازي، في استنساخ لما سبقهم إليه الإسلاميون الذين كانت لهم الغلبة في المؤتمر الوطني العام، الذي أطلق بدوره نداءات تجريم الميليشيات المناطقية (الزنتان) وتلك ذات التوجه الليبرالي، وتحديدا كتائب “الصواعق” و “القعقاع”.
إن احتكار كل فصيل للغلبة السياسية المتمثلة في الجسم التشريعي، يجعله قادرا على تشكيل حكومة يهيمن عليها، واعتبار ميليشياته المسلحة جزءا من الجيش الوطني الليبي، وما عداها جماعات مارقة وتشكيلات مسلحة “خارج نطاق الشرعية”، وهو الأمر الذي يتبادله الفرقاء، بشكل أفضى إلى ما نحن فيه الآن: برلمانان، وحكومتان، وجيشان، وتشكيلان مسلحان خارجان عن الشرعية.
إن استمرار “معركة” السيطرة على الدولة في ليبيا ومقدراتها، والاستقواء بهذا الطرف الإقليمي أو ذاك، كاستقواء التنظيمات الإسلامية بقطر، واستقواء غريمتها الليبرالية بمصر ومن ورائها السعودية والإمارات، لن يفيد الليبيين سوى في إطالة أمد الأزمة. كما أن استمرار البحث عن “برئ ومجرم” بين الطرفين المتحاربين لا يقل عبثا عن محاولة تحديد نقطة بدء التصعيد ومن المتسبب فيها. وهنا، وإذا تعذر تحديد الجاني، فيكفينا أن نحدد “الضحية” الذي هو ليبيا، شعبا وثروات ومستقبلا، بشكل يجعلنا نرفع الصوت عاليا ضد هذه الحرب العبثية المجرمة، أيا كان المنتصر فيها، لأن الخاسر سيكون دائما ليبيا وأبرياؤها.
لكن، ما السبيل إلى كسر حلقة النار الجهنمية هذه، ووقف شلال الدم والمغامرة بالمستقبل؟ وحدهم عقلاء ليبيا وأبناؤها غير المنخرطين في هذه الجريمة لا مشاركة ولا تأييدا لهذا الطرف أو ذاك، ومن يملك الإحساس الوطني الصادق من أنظمة الجوار، هم القادرون على جمع الليبيين إلى مائدة حوار وطني جامع لا يقصي أحدا، ويضع جميع القضايا الليبية على بساط البحث، ومحاولة الخروج بدستور يعيد تعريف السياسة وإدارة الشأن العام بمنطق لا عصمة فيه لأحد، ولا مرجعية له سوى رضى الناس، بعيدا عن التمسح بإنجازات الغرب، أو بركات الشريعة !!!
اقرأ أيضا
السجن 50 عاماً لامرأة أجبرت أطفالها العيش مع جثة متحللة
قضت محكمة، أمس الثلاثاء، بسجن امرأة لمدة 50 عاماً لإجبار ثلاثة من أطفالها على العيش …
مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون لحماية التراث
تداول مجلس الحكومة وصادق على مشروع القانون رقم 33.22 يتعلق بحماية التراث، أخذاً بعين الاعتبار الملاحظات المثارة في شأنه بعد دراستها، قدمه محمد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل.
دراسة: معظم علاجات السرطان على “تيك توك” مزيفة
توصل بحث جديد من جامعة لندن إلى أن ما يصل إلى 81% من علاجات السرطان …