مع انتهاء صلاحية ومشروعية “النظام الوظيفي الجزائري”، نحن على أعتاب إعلان رسمي عن وفاته!!

بقلم: هيثم شلبي

لأن المصائب لا تأتي فرادى، يجتهد متابعو الشأن الجزائري، أو المعنيون به في تعداد المصائب التي سقطت فوق رأس النظام -ولا تزال- خلال شهر أكتوبر الحالي وحده، مع العلم بأن الإرهاصات الخاصة بجميع هذه المصائب قد بدأت مبكرا جدا ولم تكن وليدة اللحظة. مصائب من الكثرة بحيث يستعصي حصرها على وجه الدقة، وإن كان الفرق بين مراقب وآخر يكاد يقتصر على ترتيب أثرها الكارثي على واقع ومستقبل النظام العسكري، تبعا لزاوية الرؤية التي يراقب المشهد منها، مع استحضار المعسكرات المختلفة للنظام، والتي تحدد ترتيب المصائب بطريقة تبعدها عن رئيس الدولة، أو رئيس الجيش، أو رؤساء الأجهزة الأمنية.

ويمكن القول بثقة بأن الأزمة الحالية التي يعيشها النظام، هي أخطر أزمة مر بها منذ الاستقلال، بما في ذلك أزمة حرب الرمال، والعشرية السوداء، والحراك الشعبي، وغيرها من الأزمات! وسنحاول هنا التركيز على واحدة من أهم الأزمات التي لم تأخذ نصيبها من التركيز، دون أن يقلل ذلك من أهمية باقي الأزمات، لاسيما إنهاء ملف الصحراء المغربية في الأمم المتحدة، والمبادرة الأمريكية لإجبار النظام على المصالحة مع المغرب، وغيرهما. ونقصد هنا، أزمة أن يعيش نظام وظيفي كالنظام العسكري في الجزائر دون وجود “سيد” يوجه الأوامر للجنرالات، ويقود سياستهم الداخلية والخارجية، وهي الحالة التي تكاد تكون نادرة في عمر النظام.

وبعيدا عن أدبيات “جيش التحرير” المؤتمن على “إرث الشهداء”، وهرطقات “مكة الثوار”، فقد عاش النظام الجزائري على امتداد تاريخه، بشكل جلي أو مستتر، “تابعا” يؤدي وظيفة محددة خدمة لأجندات قوة عظمى (أو أكثر)، دون أن يمتلك أي سياسة وطنية لا تجاه الجزائريين، ولا تجاه جيرانه. واقع كان المستعمر السابق (الدائم) فرنسا، يلعب دور السيد، لاسيما في الفترة التي تلت الاستقلال الصوري مباشرة (مرحلة التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية)، وفي أعقاب الانقلاب على الشاذلي بن جديد، وحكم الجزائريين بالحديد والنار من طرف “جنرالات فرنسا”، وبعدها عبر رجال الأعمال. حقبة فرنسية ساهمت في صياغة أولويات النظام الجزائري، وعلى رأسها إحكام حصار المغرب، جغرافيا وسياسيا، عقابا له على وقوفه بجانب ثورة التحرير الجزائرية، ضد المستعمر المشترك فرنسا. كلام قد يبدو تصوره صعبا، على من تنطلي عليهم “ثورية” النظام العسكري في الجزائر، إذ كيف يعقل أن يحاربوا من ساعدهم في حرب فرنسا، اللهم إلا إذا كانوا قولا وفعلا “جنرالات فرنسا”؟!

ورغم استفراد فرنسا بلعب دور السيد لجنرالات الجزائر، إلا أن ذلك لم يمنع فريقا منهم من الولاء لروسيا، خلال سنوات الحرب الباردة، بحجة أن النظامين معا يدينان بالعقيدة الاشتراكية، بينما جل ما في الأمر هي العمولات الضخمة المتأتية من صفقات السلاح الخاصة “بخردة” الاتحاد السوفييتي التي استوردتها الجزائر، ولا تزال تشكل غالبية السلاح المكدس في مخازنها، دون أن يحمل قيمة تذكر، سوى ذكر عدد قطعه في تقارير “غلوبال فاير” للتسلح، والتي تدغدغ مشاعر جنرالات الجزائر بوضعهم في مراتب متقدمة من حيث العتاد، رغم معرفة القاصي والداني ممن يمتلكون حدا أدنى من المعرفة العسكرية بأن هذا الجيش الجرار لا يستطيع الصمود في مواجهة عسكرية مع أي من جيرانه، بما فيها دول الساحل، مالي والنيجر!!

وما بين السيدين الفرنسي والروسي، عاش النظام العسكري في الجزائر على مدى العقود الستة الماضية، دون أن يتمكن يوما من امتلاك زمام أمره، أو وضع تصور لمصلحته الذاتية، التي يفترض أنها مصلحة الشعب الجزائري نفسه. وعليه، لم يكلف نفسه عناء تبرير إغلاق الحدود البرية مع الجار المغربي على مدى قرابة نصف قرن!! وبالتالي قطع التواصل بين جناحي المغرب الكبير (ليبيا وتونس من جهة، والمغرب وموريتانيا من جهة أخرى)، مع ما تعنيه تلك “الخيانة العظمى” من هدر لفرص التنمية لكامل المنطقة، ومن جريمة لا تغتفر بحق شعوب الشمال الأفريقي دون أي مبرر يحمل شبهة عقل أو منطق. ولا يزال مستمرا في تنفيذ الأوامر التي صدرت له بحصار المملكة الشريفة برا وجوا، ومحاولة قطع تواصلها البري مع عمقها الأفريقي جنوبا بدفع مرتزقة البوليساريو لاحتلال معبر الكركرات، وهو ما فشلوا فيه فشلا شديدا، وكان محطة فاصلة في النصر المغربي المؤزر.

الآن، ما الجديد؟ في العلن هناك علاقة شبه مقطوعة مع فرنسا، وعنتريات فارغة سرعان ما سيتخلى عنها النظام الجزائري عند أقرب فرصة، وذلك ردا على اعتراف الفرنسيين بمغربية الصحراء، وهم أكثر الناس معرفة “بالحدود الحقة” للملكة المغربية الشريفة، بصحرائها الشرقية والغربية! وفي أجواء هذا التوتر _المصطنع إلى حد بعيد- جاء توتر آخر أكثر مصداقية يتعلق بالحليف الروسي، الذي اصطدمت مصالحه مع مصالح فرنسا على أرض منطقة الساحل، وقادت بالتالي إلى صدام “أدوار” لجنرالات الجزائر، الذين اصطفوا بجانب السيد الفرنسي ضد المنقلبين عليه في مالي والنيجر وبوركينافاسو وتشاد، وبالتالي وجدوا أنفسهم في مواجهة روسيا، وهو أمر لا قبل لهم به على كل حال. ولعل ما زاد من غضب روسيا على جنرالات الجزائر، تسهيلهم لمرور القوات والمدربين والمسيرات الأوكرانية إلى مناطق شمال مالي، من أجل تقوية صفوف المتمردين على الحكومة المالية، وحلفائها في الفيلق الأفريقي الروسي.

آخر محاولات التذاكي التي يقوم بها جنرالات الجزائر حاليا، لما يتصورون أنه سيساعدهم على الخروج من مأزقهم الفرنسي الروسي المزدوج، يتمثل في “الغزل” المكشوف بالولايات المتحدة، “والتوقيع على بياض” لكل ما يمكن أن تقترحه “سيدة العالم الحر”، بحيث يتم استبدالها بالسيدين المتخاصمين، على أمل منح “قبلة الحياة” للنظام الفاقد للصلاحية والمشروعية. لكن ما بدا من “مهر” مرتفع لخطب ود السيدة الجديدة، زاد من ورطة جنرالات الجزائر “العواجيز”، لأن مصالحة المغرب ورفع الراية البيضاء أمامه، كان أول شروط قبول الأمريكان بمد يد العون للنظام الوظيفي المتهالك!

كخلاصة، وسواء نجح الجنرالات في دفع المهر الأمريكي، أو في العودة إلى “بيت الطاعة” الفرنسي، أو في إطفاء الغضب الروسي بصفقة أسلحة مليارية، فإن الأكيد بأن قدرتهم على تسويق “خزعبلاتهم” الوطنية على الشعب الجزائري قد تلاشت، وإن الحروب المواكبة للفصل الأخير من عمر النظام الجزائري بين أجنحته المختلفة، ستبخر أثر أي من الاحتمالات السابقة. ببساطة يا سادة، نحن نعيش اللحظات الأخيرة في عمر هذا النظام، ومن الصعب تصور قدرة عجائزه وشيوخه على اختراع نسخة متجددة منه تستطيع أن تخدع الجزائريين، كما هو ديدن الأنظمة العسكرية عادة؛ فهذا نظام ميت، ينتظر إصدار شهادة الوفاة، وإجراء مراسم الدفن. نقطة!

اقرأ أيضا

الدورة 13 للاجتماع رفيع المستوى المغرب-إسبانيا.. توقيع عدة اتفاقات تعاون

و.م.ع وقع المغرب وإسبانيا، اليوم الخميس بمدريد، عدة اتفاقات تعاون شملت مجالات السياسة الخارجية، والاقتصاد، …

خطة هروب فاشلة من السجن.. امرأة تزيف وفاتها وتُفضح في حفل زفاف!

ألقت شرطة أيرلندا القبض على امرأة زيفت وفاتها بعد أن شوهدت تحضر حفل زفاف في …

حقوقيون: الجزائر في عهد تبون شهدت تضييقا مستمرا على الفضاء المدني

ناقش حقوقيون وخبراء في ندوة رفيعة المستوى استضافتها منظمة “شعاع لحقوق الإنسان” (تعمل في نطاق …