من الذي يقف وراء إحصائيات الجزائر المغلوطة.. تبون أم وزراؤه؟!

بقلم: هيثم شلبي

ضجة كبيرة، تلك التي أثارها رئيس حركة البناء الوطني عبد القادر بنقرينة، عندما أشار إلى حادثة شكوى أحد المدراء المركزيين في أحد الوزارات، الذي طلب منه الوزير أن يقوم بتغيير الأرقام الخاصة بقطاعه، وتقديم أرقام “منفوخة” جديدة، لتقديمها إلى الرئيس تبون، لإظهار مدى التقدم الذي تحققه الأوضاع في الوزارة.. والجزائر!! ورغم أن هذه القصة التي أوردها بنقرينة لا تحمل أي جديد لا يعرفه المتابعون للشأن الجزائري، إلا أنها شكلت مادة للتندر والسخرية، وجدلا حول تساؤل جوهري: هل الأرقام الخاطئة، والإحصائيات المضخمة التي يقدمها الرئيس عبد المجيد تبون لواقع بلاده في مختلف المجالات، هي نتيجة رغبة شخصية من الرئيس لتضخيم “إنجازاته”، أم أرقام “مغشوشة” من قبل وزرائه لتضخيم “إنجازاتهم”؟! علما بأن المحصلة تقول بوضوح أن الجزائر تفتقر إلى أي إنجازات حقيقية في ظل هذا العبث!! لنحاول تلمس ملامح الإجابة، وترجيح إحدى الفرضيتين؛

بداية، ففرضية “الابن المدلل” للنظام العسكري عبد القادر بنقرينة، حسمت الإجابة بتحميل مسؤولية الأرقام الكاذبة للوزراء وليس الرئيس(لخيار الثاني). ولكون بنقرينة شخصية أبعد ما تكون عن النزاهة والموضوعية، وهو معروف بكونه بوقا للرئيس تبون، فإن الشك في قصصه وتقديراته أمر واجب. ومع ذلك، فسنعتمد معيارا آخر يخرجنا من خانة التخمين إلى دائرة الحسم: هل هناك اختلاف بين أرقام الرئيس ووزرائه، أم أنها تتفق بشكل عام؟! حيث أن اتفاقها يحسم بأن الرئيس يعتمد على أرقام وزرائه، مضخمة كانت أو مقلصة، واقعية أو افتراضية، وبالتالي يتم تثبيت “كذب” الوزراء والمسؤولين على رئيسهم بتقديم إحصائيات مضخمة. أما لو كانت أرقام تبون تزيد بشكل غير طبيعي عن أرقام وزرائه، فإننا لا نملك ساعتها إلا تكذيب رواية بنقرينة، واعتماد الخيار الأول الذي يقول بأن مسؤولية التضخيم تعود للرئيس نفسه، الذي لا تعجبه أرقام وزرائه لأنها غير مضخمة بما يكفي، لأنه ببساطة يعيش أجواء حملة انتخابية لا تنتهي!!

المثال الأول الذي نسوقه يتعلق بالصادرات غير النفطية، الموضوع الأثير على الرئيس تبون. فأرقام الرئيس تبون تقول بأن الجزائر -تحت رئاسته- رفعت صادراتها غير النفطية من 7 مليارات دولار عام 2023 إلى 10 لعام 2024، متوقعا تجاوز حاجز 13 مليار دولار هذا العام، و16 مليارا العام المقبل، وصولا إلى 20 مليارا في 2028 و 30 مليارا في عام 2030!! بينما تقول الحكومة أن صادراتها خارج قطاع المحروقات كانت في الأعوام التي أشار إليها الرئيس كالتالي: 5.3 مليارا في 2023، 7 مليارات في 2024، 8.5 مليارا متوقعة هذا العام، 10.5 مليارا العام المقبل، وصولا إلى 15 مليارا في 2028 و 20 مليارا في 2030!! وهنا، لا نحتاج للتعليق على الفرق بين أرقام الرئيس وأرقام وزرائه، علما بأن أرقام البنك الدولي لا تتوقع نموا يتجاوز 0.5 مليار دولار سنويا ارتفاعا من 5.5 مليارا عام 2023، وصولا إلى عام 2030 مع رقم بالكاد يصل إلى 10 مليارات دولار. أي أن أرقام الحكومة الجزائرية التي ضاعفت أرقام البنك الدولي بمقدار 100% (من 10 مليارات إلى 20 مليارا) لم تعجب الرئيس تبون الذي أرادها بأكثر من الضعفين!!

نفس الأمر يتكرر بشكل أكثر فداحة مع توقعات نمو الناتج الداخلي الخام للجزائر، وهو الرقم الذي بنى عليه الرئيس تبون دعايته الكاذبة حول “القوة الاقتصادية الثالثة في القارة”، بل إن إعلامه أعطى الجزائر المرتبة القارية الأولى خلال الشهور الستة الماضية من 2025، مستعجلا تحقيق هذا الرقم المستحيل. ودون خوض في الأرقام الكثيرة، نقول أن الرقم المعتمد لدى الرئيس تبون منذ الآن، هو أن الناتج الداخلي الخام للجزائر سيصل إلى 400 مليار دولار عام 2030، ارتفاعا من 260 مليارا الذي قال أنه حققها العام الماضي. بمعنى أنه سينمو بواقع 30 مليار دولار سنويا خلال السنوات الخمس المقبلة. أما أرقام الحكومة، فتقول أن الناتج الداخلي الخام سيصل مع نهاية العقد إلى 300 مليار، أي أقل ب 100 مليار كاملة من توقعات الرئيس، بينما تقول أرقام البنك الدولي بأن هذا الناتج لن يتجاوز 240 مليارا في السنة المذكورة! هل ما زلنا بحاجة إلى دليل إضافي لمعرفة من الذي ينفخ الأرقام، فوق ما تقوم به الحكومة أصلا من نفخ للأرقام الواقعية؟! إنها أرقام تؤكد أن تزوير الواقع هي “حرفة” يمتهنها مسؤولو النظام الجزائري من رئيس الدولة وحتى أصغر مسؤول فيها، من أجل الحفاظ على واقع افتراضي دعائي لا يمت للحياة الحقيقية التي يعيشها الجزائريون بصلة.

إن قصة بنقرينة “المختلقة”، وإن قالت جانبا من الحقيقة حول تضخيم الوزراء للأرقام المتعلقة بقطاعاتهم، فإنها لم تتطرق إلى أرقام الرئيس التي تزيد من تضخيم أرقام وزرائه بشكل يحولها إلى “مسخرة”، وموضع تندر الجزائريين، بل حاول تبرئته من تهمة تضخيم الأرقام، بجعله ضحية لخداع وزرائه الذين خانوا الثقة.

لكن ما هي مناسبة هذا الحديث أصلا عن أرقام الرئيس “المخدوع”، وأرقام وزرائه “المدلسين”؟! ولماذا خرج علينا بنقرينة في هذا التوقيت بالذات من أجل إثارة هذا الموضوع؟! من الواضح أن مستقبل الرئيس تبون يوجد على المحك هذه الأيام، وسيزداد اللغط حول أدائه ومدى جدارته بالاستمرار في منصبه في الأيام المقبلة، وهذا موضوع مقال مختلف!

كخلاصة، وبدل أن يبرئ بنقرينة ساحة ولي نعمته تبون، أسهم في فتح النقاش حول الإحصائيات الرسمية المضخمة والكاذبة، أيا كان مصدرها، وأثبت -لمن لا يزال يساوره الشك- عجز هذا النظام برمته عن تغيير واقع الجزائريين، اللهم إلا على صعيد الإحصائيات والأرقام الافتراضية!!

اقرأ أيضا

00

المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يعلن أسماء الفائزين بجوائز “ورشات الأطلس” في نسختها الثامنة

أعلن المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، يوم أمس الخميس بالمدينة الحمراء، عن المتوجين برسم الدورة السابعة …

Saad

حكم استئنافي بمراكش يعيد الاعتبار لصناع “إنتي باغية واحد”… والرفاعي يعلق: نصر مستحق

أعاد حكم صادر عن محكمة الاستئناف بمدينة مراكش، أمس الخميس، الاعتبار لكل من الملحن محمد …

المنتخب الوطني الرديف

كأس العرب.. المغرب يواجه سلطنة عمان بمعنويات مرتفعة

يواجه المنتخب الوطني الرديف منتخب سلطنة عمان في الرابعة والنصف عصر اليوم الجمهة بملعب "المدينة التعليمية"، ضمن منافسات الجولة الثانية بالمجموعة الثانية، في بطولة كأس العرب 2025 المقامة حاليا في دولة قطر.