بقلم: هيثم شلبي
يتواصل هذه الأيام سيل التدوينات والمنشورات المتابعة لأجواء “المسيرة المغاربية لكسر حصار غزة”، والتي تتوقف حاليا عند حدود مدينة سرت الليبية، في انتظار السماح لها بالوصول إلى الحدود الغربية مع مصر، من طرف الحكومة التابعة للجنرال حفتر. منشورات تغذي الجدل الدائر حول الأهداف الحقيقية لهذه الحملة “الافتراضية”، ونتائجها الحقيقية المتوقعة على صعيد نصرة غزة. فما بين مضخم لأهمية وتأثير هذه المسيرة، التي تزامنت مع استيلاء إسرائيل على سفينة التضامن الدولي “مادلين”، وما بين مشكك في أهداف وتأثير هذه المسيرة، التي تكتفي حتى هذه اللحظة في نشر فيديوهات الاستقبال الشعبي للمسيرة في مدن تونس وغرب ليبيا، باعتبار أن هذه الصور هي في حقيقتها الهدف الحقيقي للمسيرة، لعلم منظميها، قبل غيرهم، بانعدام فرص تأثير هذا “الشو الإعلامي” على التخفيف من معاناة أهل غزة. وفي خضم هذا الجدل، تثار جملة من التساؤلات والملاحظات حول هذه المسيرة، سنعرض لأهمها.
بداية، فإطلاق لفظة مغاربية على هذه المسيرة هو وصف “خادع”، على اعتبار أنها تضم قرابة 1500 ناشط تونسي وقرابة 200 من النشطاء الجزائريين، وعدد قليل من نظرائهم في ليبيا، مع استثناء النشطاء المغاربة والموريتانيين. ولا تعود هذه التركيبة لحقيقة تعذر مشاركة نشطاء المغرب وموريتانيا لسبب وحيد، هو إغلاق السلطات الجزائرية للحدود البرية مع المغرب فحسب، بل إن الأدق هو اعتبار هذا الغياب هو في حقيقته “تغييب” مقصود من طرف المنظمين، بدليل نشر خريطة مغاربية تفصل الأقاليم الصحراوية المغربية عن وطنها الأم، وهو ما لا يمكن لمغربي أن يقبله، مهما كان الهدف المعلن للمسيرة. بمعنى أوضح، فإن تغييب المغاربة تحديدا عن المسيرة، يهدف إلى الإيحاء بأن المغاربة يرفضون المساهمة في المسيرة المناصرة لغزة!
الملاحظة الثانية، تخص قناعة المنظمين، بأنه لن يسمح لحافلاتهم العشرة وسياراتهم المئة بالوصول إلى حدود منطقة رفح. والحالة هذه، فإن الهدف الحقيقي لهذه المسيرة لا يعدو كونه -إضافة للإيحاء باستنكاف المغاربة عن المشاركة في نصرة غزة- محاولة لإحراج السلطات المصرية، وتأكيد “تهمة” التواطؤ المزعومة بين السلطات المصرية والإسرائيلية. فالقاصي والداني يعلمون بأن السلطات المصرية لن تسمح لهذه المسيرة بدخول الأراضي المصرية دون حصول أفرادها على تأشيرات دخول. وهنا يطرح تساؤل مشروع: إذا كان المنظمون يعلمون بأنه لن يسمح لهم بدخول مصر، فما هو الهدف الحقيقي لكل هذه الضجة؟ وماذا ستفيد هذه “الجعجعة” إذا لم تتضمن أي “طحين” يمكنه أن يفيد أهل غزة الصامدين بأي شكل ممكن؟!
التساؤل الأهم من كل ما سبق، ويسائل منظمي هذه المسيرة، يقول ببساطة: ألم يكن من الأجدى للنشطاء الجزائريين تحديدا، والتونسيين بالتبعية، أن يحاولوا فك الحصار الذي تفرضه سلطات بلادهم، على الأنشطة الجماهيرية المساندة لغزة ولفلسطين، بدل أن يتنطعوا للادعاء بأنهم يستهدفون فك الحصار المصري الإسرائيلي -حسب ادعائهم- على قطاع غزة؟! بكلام أوضح، هل من المشروع لمن هو ممنوع من التظاهر الجماهيري نصرة لغزة في الجزائر، أن يحاول التظاهر على حدود قطاع غزة؟!
ثم لنناقش الهدف المعلن نفسه، ونتساءل: كيف يمكن لهذه المسيرة أن تفك الحصار المفروض على قطاع غزة، في ظل وجود آلاف الشاحنات المحملة بالمواد الإغاثية تقف منذ شهور على حدود قطاع غزة، دون أن تتمكن أيا منها في دخول القطاع المحاصر؟! ما هي الأدوات التي تملكها هذه المسيرة المحدودة التي لا تحمل حتى كيس طحين واحد، لكي تغيث أهل غزة وتخفف معاناتهم؟!
إن عجز الحركات الشعبية، التي لا نشكك في صدق نوايا ومشاعر الكثير من المشاركين فيها تجاه معاناة الغزيين، والتي ليس من قبيل الصدفة أن منظميها هم من خلفية “إسلاموية” و” قومجية”، عن تقديم أي مساعدة حقيقية للسكان المنكوبين في غزة، يجعل من المشروع أن ندعي أن الهدف الحقيقي لهذه الحركات الشعبوية هو توظيف معاناة الغزيين في تصفية الحسابات مع الحكومات العربية عامة، وفي دول الطوق بشكل أكثر تحديدا، دون أن تكون إسرائيل وجرائمها في بالهم أصلا! بمعنى أوضح، هي حملات للنضال “غير المكلف”، تخاض أساسا على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وتعلن بشكل صارخ عن عجز القائمين عليها عن القيام بأي فعل مؤثر على الأوضاع في قطاع غزة، بل لم يكن أصلا في واردهم أن يقدموا مثل هذا الدعم، وأن الامر برمته لا يعدو كونه “مطية” للركوب عليها، باستغلال مشاعر الشعوب العربية الصادقة المتعاطفة مع مأساة الغزيين، لتحقيق أهداف سياسية “رخيصة” تبقيهم على قيد الحياة السياسية، بعد أن فقدوا الفرصة للتأثير الحقيقي في مجتمعاتهم، ناهيك عن التأثير خارج حدودها.
ختاما، فالمنطق السليم يفترض بمنظمي هذه المسيرة وأمثالها، أن يخوضوا، كبداية، معركة لتوسيع هامش التعبير المعدوم عن تعاطفهم مع غزة داخل بلدانهم، وتحديدا في الجزائر، قبل نقل هذا “النضال” إلى الأراضي المصرية، وتصفية الحسابات “المريضة” مع السلطات المغربية بالحجة المتهالكة التي عنوانها “التطبيع”! بدون ذلك، يصعب على هذه الحركات الشعبوية أن تكسب المشروعية، مهما اجتهدت منابر إعلامية كقناة الجزيرة في تلميع “سجلهم النضالي”؛ فنصرة غزة وأهلها يا سادة تبدأ داخل العاصمة الجزائرية، قبل التفكير في نقلها إلى الحدود المصرية الليبية!