بقلم: هيثم شلبي
لأن “المصائب لا تأتي فرادى”، كما يقول المثل العربي، فقد دخل عام 2025 حاملا معه أخبارا سيئة لجنرالات الجزائر، ومرتزقتهم في “جمهورية تندوف”. فبعد عام تنامت فيه حركة الاعتراف بمغربية الصحراء، ووجاهة مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية (فرنسا، المجر، الدنمارك، فنلندا وسلوفينيا)؛ وتوالى فيه سحب الاعترافات بمرتزقة البوليساريو (بنما، الإكوادور أساسا)؛ مع تحول عدد متزايد من الدول الأفريقية واللاتينية إلى موقف الحياد العملي، بحثا عن علاقة ودية دافئة مع المغرب، تجعل سحب الاعتراف لاحقا عملية سلسة ويسيرة (كولمبيا، بوليفيا، رواندا، نيجيريا، أثيوبيا، كينيا، مالي، موريتانيا وغيرها)؛ بدأ العام الجديد حاملا خبرين سيئين للجزائر وربيبتها، أولهما تغير طفيف “سيء” في تركيبة مجلس الأمن، والثاني إضافة دولة أخرى إلى قائمة ساحبي الاعتراف بالبوليساريو، ناهيك عن فقدان الدعم السوري.
لقد جاء تجديد قائمة الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن، عبر إدخال خمس دول جديدة، ليخرج موزمبيق التي انتهت ولايتها (2023-2024)، والتي كانت العضو الوحيد الذي “يؤنس” وحدة الجزائر داخل المجلس عندما يتعلق الأمر بنقاش قضية الصحراء، وقد كانت العضو الوحيد الذي صوت ضد قرار مجلس الأمن الأخير في أكتوبر الماضي، على اعتبار محاباته للمغرب. خروج موزمبيق (إضافة لمالطا وسويسرا واليابان والإكوادور)، ودخول الصومال واليونان والدنمارك وباكستان وبنما، يجعل الجزائر منفردة دون مؤنس، ويجعل من عامها الأخير عاما “فارغا” لا تملك فيه المشاغبة في أي اتجاه، لاسيما مع دخول دول تؤيد مغربية الصحراء ومبادرة الحكم الذاتي، وخلو لائحة ممثلي أفريقيا وأمريكا اللاتينية (لأول مرة منذ زمن بعيد) من معترفين بالبوليساريو (حاليا تمثل أفريقيا بالصومال وسيراليون، والقارة الأمريكية بغويانا وبنما وهي دول تحتفظ بعلاقات ودية وثيقة مع المغرب)، تضاف إلى الأعضاء غير الدائمين الآخرين الذين لا تقل علاقة دولهم بالمغرب ودية وثقة (اليونان، الدنمارك، سلوفينيا، كوريا الجنوبية، وباكستان). هذه التركيبة غير المريحة للجزائر، تحمل في طياتها -بالنسبة لها على الأقل- خطر إقرار اعتماد إنهاء الملف أمميا، وسحب بعثة المينورسو، واعتماد الحكم الذاتي حلا مقبولا للنزاع المفتعل، وذلك في أكتوبر المقبل، الموعد التقليدي لنقاش هذه القضية سنويا.
ثاني الأخبار السيئة، والذي يحمل تداعيات أكثر كارثية بالنسبة لجنرالات الجزائر، يتعلق بقرار غانا سحب اعترافها بمرتزقة البوليساريو، وهو ما يمثل فشلا ذريعا لدبلوماسية جنوب أفريقيا، التي روجت مؤخرا لتبدل مواقف غانا في اتجاه تكريس دعمها “لجمهورية تندوف”. خطر الخطوة الغانية متعدد الأبعاد. فمن جهة، هو يقرب المغرب أكثر من نصاب ال36 صوتا اللازمة لتعديل ميثاق الاتحاد الأفريقي وطرد جمهورية الوهم من بين أعضائه؛ ومن جهة ثانية، سيسهم في تشجيع العديد من الدول الأفريقية التي لا تزال مترددة، على حسم قرارها بسحب الاعتراف، وهي: موريتانيا ونيجيريا ومالي في غرب القارة، وتنزانيا وكينيا وإثيوبيا وأوغندا في شرقها، ورواندا في وسطها، وأنغولا وليسوتو في جنوبها، وهي جميعها دول تتقوى علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع المغرب باضطراد، ويزداد برود علاقتها، في المقابل، مع الجزائر وربيبتها، الأمر الذي يجعل النواة الصلبة في دعم البوليساريو تقتصر على الجزائر، وأربعة من حلفائها جنوب القارة (جنوب أفريقيا، موزمبيق، زمبابوي، وناميبيا)، وهو وضع لا يؤهل هذه الدول لا للحفاظ على عضوية البوليساريو، ولا لدعم ترشح جنوب أفريقيا لتمثيل القارة في مقعد دائم داخل مجلس الأمن.
ثالث الأخبار السيئة كان سقوط نظام الطاغية بشار الأسد، حليف جنرالات الجزائر، وداعم جبهة البوليساريو بالتبعية. هذا السقوط يعني بشكل تلقائي حذف سوريا من قائمة الدول المعترفة بالبوليساريو وجمهورية تندوف، سواء داخل جامعة الدول العربية أو منظمة التعاون الإسلامي، لتقتصر قائمة المعترفين عربيا على الجزائر وموريتانيا (مع توقع تطورات قريبة من طرف هذه الأخيرة)، مضافا إليهما مالي وأوغندا ونيجيريا وموزمبيق إسلاميا، والتي تعتبر الأخيرة هي الدولة الوحيدة عمليا في عداد داعمي مواقف جنرالات الجزائر.
هذه التطورات، تحدث مزيدا من التغيير على خارطة الدول المعترفة بجمهورية تندوف دوليا، والتي أصبحت تقتصر على 27 دولة: 16 دولة أفريقية، و8 دول من قارة أمريكا اللاتينية، و3 دول أسيوية؛ وهو ما يمثل 14% من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة (مقابل 166 دولة تشكل 86% من دول العالم لا تعترف بمرتزقة البوليساريو). خريطة من المرجح أن تشهد تطورات متلاحقة لصالح المغرب، بتخلي مزيد من الدول عن موقف “الحياد الصوري” رغبة في عدم إغضاب الجزائر وجنوب أفريقيا، ونقصد بها الدول الأفريقية واللاتينية والأسيوية التي تزداد درجة دفء علاقاتها بالمغرب باضطراد. هذه الدول تشمل 11 دولة أفريقية (رواندا، تنزانيا، كينيا، إثيوبيا، أوغندا، موريتانيا، مالي، نيجيريا، أنغولا، بوتسوانا، وليسوتو)؛ و7 دول لاتينية (المكسيك، كوبا، نيكاراغوا، ترينيداد وتوباغو، بيليز، كولومبيا، وبوليفيا)؛ إضافة إلى لاوس في القارة الأسيوية. الأمر الذي سيقلص خريطة داعمي البوليساريو إلى 5 دول أفريقية ذكرناها سابقا، ودولة لاتينية واحدة (فنزويلا)، ودولتين أسيويتين (كوريا الشمالية وتيمور الشرقية)، أي ثماني دول فقط لا غير!!
ختاما، فالمعطيات السابقة هي معطيات رقمية قائمة على قراءة الواقع السياسي العالمي، وتعامي جنرالات الجزائر عن هذه الحقائق لا يعدو كونه محاكاة لسلوك النعامة؛ بل إن تغير مواقف نصف هذه الدول التي تقف حاليا على الحياد، لصالح سحب اعترافها بالبوليساريو والاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه، كفيل بأن يحدث تغييرا على صعيد الكتلة الصلبة لداعمي البوليساريو، وعلى رأسهم جنوب أفريقيا والدول الدائرة في فلكها جنوب القارة. وأيا كان توقيت تحقق هذا السيناريو، يدرك النظام الجزائري أن مسألة طرد جمهورية تندوف من الاتحاد الأفريقي أقرب مما يتوقع أشد الداعمين للمغرب، وهي رهينة باسترجاع أصدقائه المجمدة عضويتهم في الاتحاد (غينيا، السودان، الغابون، مالي، النيجر، وبوركينافاسو) بسبب انقلابات هذه الدول، أو تحول عدد مماثل من الدول من موقف الحياد إلى الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء. تطورات ربما تجعل قمة الاتحاد الافريقي المقررة مطلع العام المقبل مرشحة لاحتضان حدث طرد جمهورية الوهم، وانهيار أحلام جنرالات الجزائر معها!