بقلم: هيثم شلبي
سواء اعتمدنا العبارات التي استخدمها “البشير مصطفى السيد” شقيق مؤسس البوليساريو، أو “أبي بشرايا البشير” ممثل البوليساريو في أوروبا لسنوات، لوصف واقع الحال في مخيمات “جمهورية تندوف”، وما يرونه مستقبلا مرعبا قد اقترب، فالنتيجة واحدة: أن بركان الأوضاع داخل مخيمات تندوف على وشك الانفجار، بعد سنوات وعقود من محاولات قيادة البوليساريو وجنرالات الجزائر لكبت هذا الغليان، ومحاولة تأجيل هذا الانفجار! كلا الرجلين اتفقا قبل أيام على أن الأمور في البوليساريو وصلت إلى “درك تردي ينذر بضياع أعظم التضحيات وأثمن المكاسب في وجه التسارع إلى نهاية سيئة”!! وفق تعبير البشير مصطفى السيد؛ كما أن ما تقوم به السلطات المسؤولة عن المخيمات (جزائرية وصحراوية) من “اختزال الأمن في مسألة الحفاظ على النظام العام، لا ينتج إلا حلقات مفرغة من الأفعال وردود الأفعال ويتحول إلى خلافات عميقة، تقود نحو المجهول”!! وفق عبارة أبي بشرايا البشير. مصطلحان (النهاية السيئة والذهاب نحو المجهول) يستطيع أي قارئ يمكنه “فك الخط” أن يفهم أنهما تعكسان وضعا كارثيا وانفجارا وشيكا، قد يكتب النهاية لقصة البوليساريو برمتها! لكن ما الذي أوصل الأوضاع في “جمهورية تندوف” إلى هذه المرحلة؟!
بهدوء، يمكن القول ببساطة أن انسداد جميع الآفاق أمام استمرار هذه القضية قد أصبح واقعا راسخا يدركه قادة الجبهة بمختلف أجنحتها، وسادتهم في عسكر الجزائر، على نفس درجة إدراك جميع المحتجزين الصحراويين في المخيمات. هذا الانسداد يجعل الحديث عن بدائل أمرا منعدما، اللهم في الدعاية الجزائرية التي لا تجد أي صدى داخل المخيمات. فلا أفق سياسي يجعل أي صحراوي يأمل في تحقيق أي اختراق على مستوى كسب تأييد يذكر لمسألة الاستفتاء المقبور -عما هو موجود حاليا-، بل إن الجميع متأكد من صعوبة، بل استحالة، الحفاظ على مستوى الاعترافات الحالية بالجبهة رغم مليارات الجزائر، التي لا يقل جنرالاتها عجزا وإفلاسا! أما الأفق العسكري، فالتعبير عنه جاء واضحا بشكل “صادم” على لسان أكثر من قيادي في البوليساريو، بعد المتغيرات العسكرية المتلاحقة التي صبت جميعها في خانة الجيش المغربي.
أوضح هذه التصريحات جاء نهاية الشهر الماضي على لسان “مصطفى ولد محمد علي ولد سيد البشير“، بارون المخدرات، وما يسمى “وزير” الأرض المحتلة والجاليات، الذي قال دون مواربة -بطريقته المعهودة-، دون أن يخفى أن الخطاب موجه لمحتجزي المخيمات وجنرالات الجزائر على حد سواء: “من يطالبنا باسترجاع الأراضي المحررة عليه أن يقوم بذلك بنفسه. نحن نواجه واحدا من جيوش النخبة في العالم، مجهز بتكنولوجيا الحرب في البحر والبر والجو…، حتى الجيوش النظامية لا تستطيع الصمود في وجه جيش منظم كهذا، لذلك لا تطلبوا المستحيل”!!! تصريح يكتب كلمة النهاية لأكذوبة الحرب التي يخوضها مرتزقة البوليساريو في “المنطقة المحرمة” منذ أربع سنوات، وتنهي بشكل قطعي إمكانية التعويل عليها مستقبلا. وفي نفس الاتجاه، ذهب البشير مصطفى السيد، الذي أعلن عجز مرتزقة البوليساريو عن إيقاع أي أذى بالقوات المسلحة المغربية، تاركا أمر المواجهة العسكرية، في ساحة مغاربة الأقاليم الجنوبية، عبر مطالبتهم بالقيام بهجمات إرهابية وتفجيرات في حواضر الصحراء المغربية!!!
أما ما يزيد الوضع تفاقمنا، ويدفع بهذين الانسدادين السياسي والعسكري إلى تقريب ساعة انفجار “جمهورية تندوف” من الداخل، فهو تعامل القيادة العسكرية الجزائرية وتابعتها في البوليساريو مع الوضع داخل مخيمات اللاجئين، الذين فقدوا الأمل في أي مستقبل، مهما كان لونه! والتي شعارها “جمع أكبر قدر من المكاسب والفرار قبل غرق المركب”. سياسة طالت حتى الأفراد العاديين الذين بدأوا في البحث عن خلاصهم الفردي عبر الانضمام إلى عصابات تهريب المخدرات والبشر والسلاح، وكذا الجماعات المسلحة من كل ملة وانتماء، ناهيك عن محاولة العشرات للهرب من جحيم المخيمات إلى موريتانيا، كمحطة نهائية أو انتقالية قبل التحول إلى المغرب. وعليه، تزايد نهب المساعدات الإنسانية الشحيحة أصلا من قبل جنرالات الجزائر في نقاط العبور الحدودية الرئيسية، بطريقة لم يعودوا حريصين حتى على تغطيتها، ولسان حالهم يقول: “ربما تكون هذه آخر شحنة”!! أما داخل المخيمات، فلا حديث للمحتجزين سوى عن القيادات التي ترسل أبناءها -دون رجعة- إلى “الفردوس الأوروبي”، مقابل “بيع” أبنائهم للكنائس والعائلات الأوروبية التي ترغب في التبني بعد أن فاتها قطار الإنجاب، مقابل مبالغ زهيدة، وهو ما يضعونه تحت يافطة برنامج “عُطل السلام”، وكشفت عنه تقارير موثقة مؤخرا بالصوت والصورة، وسبب حالة حزن وغضب كبيرين داخل هذه المخيمات!!
إن عملية “تصفية” أصول “جمهورية تندوف” من البشر والحجر، وتوزيع عوائدها على القادة المتنفذين في عسكر الجزائر والبوليساريو يقولان شيئا واحدا: نحن في المرحلة الأخيرة قبل إقفال هذا الملف أمميا ودوليا، بعد أن أقفلته نجاحات دبلوماسية المغرب وطائراته المسيرة سياسيا وعسكريا على أرض الواقع المحلي والإقليمي!! وسواء جاء هذا الإقفال عن طريق سحب الملف من اللجنة الرابعة، أو طرد “جمهورية تندوف” من الاتحاد الأفريقي، أو بقرار ملزم يصدر عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع، أو مجموع هذه الاحتمالات، فالنتيجة واحدة: الإقفال النهائي لهذا الملف الذي رعته فرنسا عبر جنرالاتها في الجزائر، بمساعدة متفاوتة من قوى دولية مختلفة على مدى أزيد من نصف قرن، لإعاقة مسيرة تحول المغرب إلى “قائد” إقليمي وقاري ودولي!
إن انهيار مشروع “جمهورية تندوف” الجزائرية ليس مجرد “حديث أماني” ضمن فصل جديد من الإعلام الدعائي المضاد لدعاية الجنرالات، بل هو واقع يدركه جنرالات الجزائر وتابعيهم في البوليساريو أكثر من أي طرف آخر، وما يتبقى هو محاولة الحد من تبعات حدث بمثل هذه الضخامة على مستقبل النظام الجزائري؛ وكذا إدارة مستقبل محتجزي تندوف، الذين سيتفرقون على باقي دول الإقليم قبل أن يتوجه معظمهم إلى وطنهم الأم، مع استقرار أعداد أقل في موريتانيا. وهنا، ربما كان مفيدا أن تنصب جهود الأمم المتحدة وهيئاتها المتخصصة على التركيز على هذه المهمة (إدارة فوضى انهيار مخيمات تندوف وعودة المحتجزين الصحراويين إلى وطنهم الام) والتحسب لاحتمال حدوثها القريب، بدل “الكلام الفارغ” حول الحلول الافتراضية لهذه الأزمة، والذي يستهلك وقت مبعوثيها وممثلي أمينها العام دون طائل منذ قرابة ثلاثة عقود ونصف! فهل تحسن القوى الكبرى قراءة هذا الواقع وتستبق “الانفجار الكبير” بخطة أممية لإنهاء “منظّم” لهذا الملف، أم ستنتظر حصول هذا الانفجار للتعامل مع تبعاته بعدها كأمر واقع؟ هذا ما ستجيب عليه الأيام المقبلة.