اعتبر متدخلون، في ندوة دولية انطلقت أشغالها اليوم الجمعة بالرباط حول تقييم حرية الإعلام، أن تكريس حرية الإعلام في مجتمع ما رهين بتطور الثقافة السياسية وممارسات الأشخاص والمؤسسات القائمة داخل الدولة بما يمكن من ترجمة هذا المطلب إلى مبادرات فعلية.
وجاء هذا التشخيص لحرية الإعلام خلال أولى جلسات الندوة الدولية الثالثة حول تقييم حرية الإعلام التي ينظمها مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، بدعم من وزارة الاتصال، يومي 14 و15 نونبر الجاري، حول موضوع “حرية التعبير والضمانات المؤسساتية، التشريعية والقضائية، مقاربة مقارنة”.
وفي هذا الإطار، اعتبر أستاذ علم السياسة بالجامعة الدولية في الرباط، جون نويل فيري، أن ” حرية الإعلام لا يمكن بحال من الأحوال أن تتولد عن انتفاضات أو ثورات أو أزمات ما لم تكن الثقافة السياسية للنخب وممارسات الفاعلين المؤسساتيين في الدولة تتطور وتتبلور لديها الإرادة للإسهام في ضمان هذه الحرية”.
وأوضح أن هذا الارتباط بين تكريس حرية الإعلام وتطور الثقافة السياسية لدى النخب يأتي لكون الممارسات تندرج في إطار الاستمرار لارتباطها بالأشخاص، مما يحدث تفاوتا زمنيا بين التطلع إلى تحقيق التغيير وحصول التغيير فعليا في الواقع.
بدوره، سار يونس مجاهد، نائب رئيس الفدرالية الدولية للصحفيين، في الاتجاه ذاته، حين أكد “الحاجة إلى ثقافة سياسية” تواكب مطلب المهنيين في حماية حرية الإعلام وتكرس الحق في ضمانات حقيقية لاحترامها.
واعتبر السيد مجاهد، من جانب آخر، أن حرية الصحافة ” تتأسس على الالتزام بتفعيل مبادئ الديمقراطية في أركانها القانونية والاقتصادية والسياسية والمهنية”، داعيا إلى ” تعزيز حماية الصحافيين من الاعتداء والتعنيف، وفتح تحقيق في حالات الاعتداء المسجلة في المغرب والمحالة على السلطات المختصة “.
كما دعا إلى ابتكار نموذج اقتصادي للإعلام يسمح بحرية الاستثمار وينبني على مبادئ الحكامة والشفافية والوضوح ويكرس الحكامة الداخلية ويحمي الحقوق الاقتصادية للصحفيين.
من جانبه، استعرض وزير الاتصال الناطق الرسمي بالحكومة، مصطفى الخلفي في كلمة خلال ترأسه افتتاح هذه الندوة، الخطوط العريضة لسياسة المملكة في مجال الصحافة والإعلام، مذكرا، في هذا الصدد، بما تضمنه مشروع مدونة النشر والصحافة من إجراءات تروم تعزيز ضمانات الحرية في ممارسة الصحافة.
وأشار بهذا الخصوص إلى إلغاء العقوبات السالبة للحرية وتعويضها بغرامات معتدلة، والتنصيص على الاخذ بحسن النية في تقدير التعويض على الضرر، وتمكين الصحافي من تقديم أدلة الاثبات طيلة مراحل الدعوى، وضمانات الحق في الحصول على المعلومة واقرار الجزاء في حالة الرفض غير الموضوعي.
كما أبرز الوزير ما تضمنه المشروع من آليات تسعى إلى جعل القضاء الجهة الوحيدة والحصرية المختصة بتلقي تصريحات إصدار الصحف والإيقاف والحجب والحجز حصريا بيد القضاء” و”ارتباط نشر أحكام إدانة الصحفيين بطلب المشتكي وبمقرر قضائي، والعمل بالقضاء الجماعي في قضايا الصحافة بدل القضاء الفردي.
وأبرز السيد الخلفي، من جانب آخر، المجهود الوطني من أجل مناهضة الاعتداء على الصحفيين، مشيرا إلى إحداث آلية على مستوى وزارة الاتصال لتلقي شكايات الصحفيين التي تتم إحالتها مباشرة على وزير العدل.
واعتبر أن هذه الآلية ” تضع المغرب تدريجيا على طريق إنهاء حوادث معزولة لكن غير مشرفة للاعتداء على الصحفيين “.
من جهته، قال رئيس مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، عبد الله ساعف، إن أشغال هذا اللقاء ستركز على الضمانات المؤسساتية والتشريعية والقضائية انطلاقا من كون أن فكرة الضمانات صارت أحد الانشغالات الكبرى، بعد التراكمات التي عرفها مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان من حيث الاختيارات والتوجهات. واعتبر السيد ساعف أن موضوع هذا اللقاء يعكس مرحلة متقدمة من مراحل بناء دولة الحق والقانون في المغرب حيث لم يعد الفاعلون يكتفون بالتصريح بالمبادئ أو بالنوايا المؤكدة والتي تعكس ارتباطهم وتشبثهم بالقيم المكونة لدولة الحق والقانون، بل أصبحوا يفرضون، علاوة على ذلك مأسسة الضمانات والإجراءات ومعايير الممارسات الجيدة والقابلة للتمحيص والقياس.