منح الجزائريون عهدة رابعة لرئيس على كرسي متحرك وسيمنح المصريون عهدة أولى للجنرال عبد الفتاح السيسي الذي قاد انقلابا على أول رئيس منتخب في حين سينتزع الرئيس السوري عهدة ثالثة بعد أن دمر البلاد وشرد العباد، وكل شعب يتباهى برئيسه وكأن هذه البلدان الثلاثة لم تنجب نساءها مفكرين وكتابا ومبدعين وإنما انجبت من لا هم لهم الا الوصول إلى السلطة ليس حبا في الشعب والوطن وإنما سعيا لتحقيق ما لا يتحقق بالقوة ولتوريث ما لا يورث، فعصر الانقلابات ولّى في العالم ولكنه صار ثورة في مصر مثلما كان تصحيحا ثوريا في الجزائر، وعهد الزعامات انقرض من القاموس السياسي بعد اغتيال الرئيس صدام حسين والزعيم معمر القذافي، وحتى النظام الملكي بدأ يتنازل عن جزء من سلطته في المغرب في حين انه في الجزائر أخذ شرعية صناديق الاقتراع؟ فأي مستقبل للجزائر ومصر وسوريا
إنحناءة جنرالات؟
مازلت اتذكر خطابات الرئيس الراحل هواري بومدين وهو يؤكد على أن “الجزائري لا ينحني إلاّ لله عز وجل” حين كان يتحدث عن النظام المغربي بحضور اعضاء مجلس الثورة ومن بينهم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، فماذا سيقول لو عاد من مقبرة العالية ليرى قادة الجيش في وضعية لا يحسدون عليها فهم يؤدون التحية العسكرية وينحنون لمصافحة من لبس عباءة بومدين ذات يوم؟
هيـأت السلطات الجزائرية قاعة المؤتمرات بنادي الصنوبر التي استقبلت معظم رؤساء العالم ومن منصتها خاطبوا الجزائريين لتكون صالحة لأداء اليمين الدستوري، ولكن السؤال: هل مطالب من 48 ولاية أن تهيئ نفسها لاستقبال الرئيس إذا فكر في زيارتها؟
بالأمس القريب كان بوتفليقة يفتخر بأنه يفوق في الطول نابليون بونابارت، لكنه اليوم قد يجد صعوبة في تقليد الرتب العسكرية للضباط في المناسبات الرسمية.
قد تدخل الجزائر “كتاب غينيس” بانتخابها بوتفليقة لعهدة رابعة، فلأول مرة في تاريخ الديمقراطيات العربية يرشح رئيس على كرسي متحرك ويفوز بأكثر من 80٪ من الأصوات مقابل 20٪ لخمسة منافسين له، ومن تابع أداء اليمين الدستوري ربما لاحظ أن تصفيقات الحضور دفعت الرئيس إلى الاكتفاء بقراءة صفحة من عشر صفحات وزعت في شكل كتيب على الحضور من أصحاب المناصب السامية ومن بينهم الشاب خالد الذي رأيت صورته معلقة في مدينة طنجة في إعلان بيع شقق، وما أثار انتباهي أن جريدة “الصحراء المغربية” ليوم الاثنين 21 أفريل 2014 نشرت في الصفحة الخامسة صورة “مفبركة” لبوتفليقة على كرسي متحرك وخلفه ضباط سامون يجلسون على كراسي، ويومها اعتبرت هذا السلوك مساسا بالجزائر، لكن ماذا أقول لمن اعتذروا لي من المغاربة وهم يرون قيادات من الجيش تنحني له لتصافحه مثلما يحدث في المغرب؟
أعتقد أن من يقول ان الجيش هو الذي يعين الرؤساء مخطئ، لأن من يملك رتبة عسكرية لا ينحني للمدني، وإنما يحييه إذا وقف أمامه، فهل يعود بوتفليقة إلى المستشفى العسكري بباريس لاستكمال علاجه، ونعود إلى ما سبق أن شهدناه العام الماضي، أم أنه يواصل اجتماعات مجلس الوزراء؟
الجنرال رئيسا؟
تقوم بعض القنوات المصرية بالتقليل من شأن المنافس الوحيد للجنرال عبد الفتاح السيسي، فحمدين صباحي مجرد مرشح لا يملك برنامجا ولا شعبية، وهي صورة شبيهة بتلك التي قدمتها بعض القنوات الخاصة عن المرشح المنافس للرئيس الجزائري، لكن وصول السيسي إلى الرئاسة حسم قبل ترشحه، لأنه زكى نفسه بنفسه حين أطاح بأول رئيس منتخب بعد الثورة المصرية التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك وتفاءل بها العرب، لكن أصحاب الأحذية الخشنة كانوا لها بالمرصاد ودخلت مصر في دوامة الارهاب وأقحمت السعودية والإمارات العربية في قضية داخلية وحاولت أن تقحم الجزائر، لكنها فشلت، لأن التجربة الجزائرية في مكافحة الارهاب كانت نموذجية، فهي لم تصنف أي حزب اسلامي أو تنظيم مسلح في خانة الارهاب، وإنما اتجهت نحو من حملوا السلاح أو أفتوا بسفك دم الجزائريين، وبالرغم من أنها اختارت الحل الأمني، إلا أن أمثال المرحوم عبد الحميد مهري والمرحوم أحمد بن بلة وزعيم المنطقة القبائلية حسين آيت احمد وغيرهم دفعوا بالنظام الجزائري إلى تبني المصالحة التي أعادت للجزائر حضورها الدولي ولم تورط في مشاكلها قطرا عربيا واحدا، لكن مصر التي ضيعت أكثر من ستين سنة حاملة خطاب الوحدة لم تستطع في بضعة أشهر أن تقبل بالرأي الآخر داخلها وفضلت جنرالا على رئيس مدني، وها هي عدالتها التي كنا نعتبرها نموذجية صارت تصدر الأحكام بالإعدام على المئات من المواطنين، لأنهم اعترضوا على حكم العسكر.
الرئيس جنرالا؟
إذا كانت مصر قد اختارت جنرالا لرئاستها عبر انتخابات رئاسية شكلية، فإن سوريا حولت بشار الأسد إلى جنرال وتريد له عهدة ثالثة في الحكم بعد أن دمر البلاد وشرد العباد ومنح سلاحها الكمياوي لأمريكا التي ستحاكمه لاحقا بتهمة “جرائم حرب” و”جرائم ضد الإنسانية”، وبالرغم من أن الجزائر وقفت إلى جانب الدولة السورية، لأنها تدرك أن سقوطها سيكون شبيها بسقوط العراق، وتدخل في حرب أهلية مثلما هي الحال في العراق، إلاّ أن النظام السوري لم يفكر في فتح حوار مع المعارضة المسلحة لإيجاد مخرج يبقي على الدولة السورية، لكن ما ذنب الشعب السوري إذا كان الرئيس بشار قد تحول إلى جنرال؟
لا فرق بين ما يجري في مصر وما يحدث في سوريا، وإذا لم تتدارك السلطة الجزائرية تداعيات انتخاب بوتفليقة رئيسا فإنه من الصعب أن يقبل جنرالاتها الإنحناء أمام الرئيس أو غيابه مرة أخرى، فجميع المؤشرات تفيد أن دعاة المرحلة الانتقالية بدأوا التحضير لها مبكرا؟
“الشروق” الجزائرية