عودة الملك السنوسي

وعدتم من حيث بدأتم. هذا هو لسان الحال بعدما عصف التمزق والتناحر بمجتمعات دول «الربيع العربي».
ليبيا المثال الأبرز؛ حروب، عصابات مسلحة، جماعات دينية جهادية، انقسامات جهوية، برقة تريد الاستقلال وطرابلس ترفض، وفزان تترقب.
في ظل هذه الفوضى العارمة، حيث يختطَف رئيس الحكومة من طرف يفترض أنه حكومي آخر! لم يعد الليبيون يقرون لبعضهم بميزة أو سلطة.
من هذه الخلفية نفهم الدعوات المتكررة هذه الأيام في ليبيا لعودة الملكية إليها، واستعادة حكم ورمزية الأسرة السنوسية.
العائلة السنوسية في ليبيا كانت رمز الوحدة الليبية، منذ أيام السنوسي الكبير مؤسس النهج السنوسي، لا الطريقة السنوسية فقط، عبر الزوايا الشهيرة، حيث نشر ثقافة دينية إصلاحية عمت ربوع ليبيا وخارجها بالشمال الأفريقي وواحات الصحراء الكبرى، وحتى في مصر، علما بأنه أسس طريقته من جبل أبي قبيس بمكة. بعد صراع مرير مع الإيطاليين، وبعد تقسيم ليبيا إلى طرابلس وفزان وبنغازي، كان محمد إدريس السنوسي، قائد الطريقة السنوسية، هو خيار الليبيين لاجتماع الكلمة، وفي ديسمبر (كانون الأول) 1951 أعلن الأمير محمد إدريس السنوسي من (بنغازي) الاستقلال وميلاد المملكة الليبية المتحدة.
1969 انقلب معمر القذافي ورفاقه على المملكة وألغى الملكية. تنقل من موقع الرئيس إلى موقع القائد إلى موقع ملك الملوك، واستمر في عبثه حتى مات بطريقة سيريالية عبثية هي الأخرى.
قبل أيام، ولصحيفة «عكاظ» السعودية، قال وزير الخارجية الليبي د. محمد عبد العزيز، إن عودة النظام الملكي في ليبيا موضوع قيد الدراسة في الأوساط السياسية الليبية، معتبرا أن عودة الملكية السنوسية تمثل الحل والضمان لعودة الأمن والاستقرار إلى ليبيا، مؤكدا أنه أحد الخيارات المطروحة بقوة على الساحة الليبية حاليا. لكن «الوريث» المحتمل، الأمير محمد الحسن الرضا السنوسي، حفيد إدريس، قال في مقابلة مع «بي بي سي» إن النظام الملكي لا ينفع ليبيا الجديدة لأن ليبيا مرت بثورة خرج من أجلها كل الليبيين واستشهد من أجلها الآلاف من الأبطال، وكانت لديهم حقوق ومطالب معينة، ولم تكن عودة عرش الملكية من ضمن مطالبهم. وإنه على الصعيد الشخصي زاهد في هذا المنصب.
الحق أن هذا الشاب مصيب في امتناعه عن التجاوب مع هذه الرغبات، ليس لأن العودة للتعاقد السنوسي السابق، ليست الحل، بل لأن ضمانات إنجاح هذا الحل غير متوافرة، والزمان غير الزمان.
لا تأكيد على أن هذا الحنين للعهد الملكي نابع من اقتناع راسخ، بعيدا عن الأحلام الوردية، بل هو عهد سياسي له ما له وعليه ما عليه. لكنه يبقى أفضل من عهد الفوضى. في منطقتنا، ليست هذه أول مطالبة بالعودة للعهد الملكي، فقد نودي بهذا إبان سقوط صدام بالعراق، ومن حين لآخر ينادى بها في مصر، وخارج العالم الإسلامي أعادت إسبانيا الملكية بعد كارثة الحرب الأهلية.
الحنين للملكية عندنا، بعد كل هذا، يدل على جفاف نبتة الديمقراطية وفق النهج الأوروبي.
هذا هو الحال.
“الشرق الأوسط”

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *