بن لادن والربيع العربي

رفعت الاستخبارات الأميركية السرية عن عشرات الوثائق التي عثر عليها بمنزل زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن في مدينة أبوت آباد الباكستانية عام 2011. واحتوى جزء كبير من تلك الوثائق على رسائل شخصية وعائلية، وأخرى بين بن لادن وأتباعه.
من أهم ما كشف عنه بهذه الوثائق رؤية بن لادن للربيع العربي، حيث كتب بأحد تعليقاته مشيرًا إلى وجود «عامل جديد» يتمثل بـ«ثورة تكنولوجيا المعلومات”، معتبرًا، أي بن لادن، أن الربيع العربي من «أهم الأحداث في العالم الإسلامي منذ قرون». وما كان بن لادن ليقول ذلك لولا أنه رأى فرصة سانحة بما عرف بالربيع العربي، مما يظهر، وهنا القصة، أن بن لادن استطاع رؤية ذلك الزلزال بوضوح، عكس آخرين حينها! رؤية بن لادن هذه كانت أوضح من رؤية كثر من المثقفين بمنطقتنا، والبعض في الغرب، وعلى رأسهم إدارة أوباما، ومنظمات، ومؤسسات إعلامية، وإعلاميين، وهذا ما يقر به البعض بالغرب الآن على مضض، حيث اتضح لهم أن الربيع العربي كان مسرحًا للجماعات الأصولية!
أدرك بن لادن أن ما عرف بالربيع العربي هو فرصة للجماعات الأصولية، الإخوان المسلمين، أو «القاعدة»، بينما تحمس كثر عاطفيًا، وساهم آخرون بالتضليل، والتطبيل، ورأينا كتبًا من عنوان «ربيع الإخوان»، وخلافه، رغم أن قلة قليلة، وبعضهم بهذه الصحيفة، كتبوا حينها أن ما يحدث ما هو إلا ربيع “القاعدة»، والأصولية. وأتذكر، بعد هروب بن علي من تونس، وبعد أن كتبت هنا مقالاً قلت فيه إن ما حدث بتونس انقلاب وليس ثورة، أن هاتفني مثقف عربي كبير ليقول بغضب: «حرام عليك.. لماذا تستنكر علينا فرحتنا بهذه الصحوة العربية؟»! وليتها كانت كذلك، بل إن الربيع العربي كان أكبر عملية قرصنة سياسية عرفتها منطقتنا! هنا قد يقول قائل: وهل كان المطلوب دعم الأنظمة الديكتاتورية؟
بالطبع الإجابة لا! لو كان هناك إدراك لحقيقة الأحداث، وهو ليس بالأمر الصعب، ولا ضربا للودع، حيث كان هناك مدركون جاهروا بآرائهم، وتحملوا أقسى أنواع التشهير.. لو كان هناك رؤية مبنية على فهم المنطقة، وتاريخ الإسلام السياسي، لما انعطف مسار الربيع العربي بهذا الشكل. ولو تم الاستماع للعقلاء، وحتى الآن، لكان الربيع العربي فرصة لسن الدساتير العصرية لضمان عدم التفرد بالسلطة، وتجنب الإقصاء، لتكون دساتير ضامنة، سواء حكم إسلامي، أو عسكري. ولو كانت هناك رؤية لما وصلت الحال في ليبيا لما هو عليه، ولما تفرد الإخوان بحكم مصر، ولا تركت سوريا تنزف بهذا الشكل الهمجي، ولما خدع كثر بـ«وهم الإسلاميين المعتدلين”.
السؤال الآن هو: كيف التقطها بن لادن، وغابت عن كثر؟ سؤال إجابته تحتاج إلى بحوث، ودراسات، وليس النسيان، أو القول: عفا الله عما سلف!

* إعلامي وكاتب سعودي/ “الشّرق الأوسط”

اقرأ أيضا

سوريا

سوريا.. زخم دبلوماسي إقليمي ودولي وخطوات لبناء المؤسسات

التقى القائد العام للإدارة السورية أحمد الشرع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في دمشق -أمس الأحد- وأكدا أهمية تعزيز العلاقات الإستراتيجية بين البلدين، وتعزيز الحكومة المقبلة، كما دعا الجانبان إلى رفع العقوبات عن سوريا.

999

تامسنا تستضيف الدورة الأولى لملتقى الفيلم بتنوع فني يناقش قضايا السينما

تنظم جمعية السناء للمسرح والثقافة، بتعاون مع الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب، الدورة الأولى لملتقى …

بحضور المملكة.. اختتام أشغال الدورة الـ10 لوزراء العدل الأفارقة

أفادت وزارة العدل بأن أشغال الدورة الـ10 العادية للجنة الفنية المتخصصة المعنية بالعدل والشؤون القانونية …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *