الجغرافيا والتاريخ .. وليبيا

عندما توجد جزيرة في بحر أو محيط ما ، ونتحدث عنها من خلال وصف معالمها الطبيعية المميزة لها ولا يوجد عليها أي بشر ، فإننا نتحدث عن الجغرافيا . وعندما نأخذ إنسانا ما ونضعه على الجزيرة فسيبدأ حياته هناك بالتحرك يمنة ويسرى ، ويشرع بالقيام ببعض الأحداث والتصرفات التي تُؤمّن له معيشته على الجزيرة ، فإن رصد تحركات هذا الإنسان وتصرفاته المختلفة يعنى ذلك أننا نتحدث عن التاريخ .
عليه ، فإن الجغرافيا – كما هي في معجم المعاني الجامع – هي علم دراسة الأرض وظواهرها الطبيعية ، وجغرافية الأجناس هي دراسة التنوع البشري على وجه البسيطة . فالجغرافيا هي لفظ إغريقي الأصل (Geographica) يعنى وصف الأرض . وكان الرّحالة عبر العصور يقومون بوصف ما يمرون عليه من أراض ، ويسجلون خلال حِلّهم وترحالهم مشاهداتهم عن البلدان والأقاليم الجغرافية التي يزورونها .
والتاريخ – كما هو في معجم المعاني الجامع أيضا – هو عبارة عن جملة الأحوال والأحداث التي يمر بها كائن ما ، ويصدق ذلك على الفرد والمجتمع ، كما يصدق على الظواهر الطبيعية والإنسانية المختلفة . لذا ، فتاريخ الأمم ما هو إلا سرد للأحداث و الوقائع التي تحدث بمسببات معينة وتسلسلها الزمني فترة زمنية بعد أخرى . فالتاريخ هو تحديد توقيت الأحداث والوقائع ليصبح بذلك علم التاريخ يهتم بماضي المجتمعات وحاضرها . ولقد ذكر ابن خلدون في مقدمته النفيسة التاريخ على أنه ؛ خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم ، وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من الأحوال . وللتاريخ أهمية كبيرة وقيمة عالية للإنسان ، وعبّرت عن ذلك قريحة أحد شعراء العربية بالقول :
ليس بإنسان ولا عاقل من لا يعي التاريخ في صدره
ومن درى أخبار من قبله أضاف أعمارا إلى عمره
نعم ، لقد وُجدت ليبيا جغرافيا في شمال إفريقيا ، بأقاليمها الجغرافية الثلاثة ؛ فزان وبرقة وطرابلس ، ومدنها التاريخية العريقة . وحاول الملازم معمر بُعيد انقلابه المشئوم في عام 1969 م ، تغيير ما لا يتغير ؛ الجغرافيا والتاريخ ، حيث سعى جاهدا على تغيير جغرافية ليبيا وطمس تاريخها ، لتبدأ المُسمّيات الجغرافية والتاريخ منه ! فقام بتغيير التاريخ الهجري بتاريخ وفاة الرسول عليه السلام ، وتسمية الأشهر الهجرية بمسميات من عنده . كل ذلك أحدثه ، بهدف طمس هوية وثقافة وتاريخ الليبيين جميعا ، ليكونوا شعبا دون هوية ولا انتماء إلى الوطن … ليبيا .
لقد قام بتقسيم ليبيا إلى أربعة أجزاء جغرافية سماها ؛ المنطقة الجنوبية والمنطقة الغربية والمنطقة الوسطى والمنطقة الشرقية ، مناطق نكرة التأصيل والحدود ! وهو معاكس تماما لناموس وطبيعة جغرافية ليبيا ، ذلك أن المنطقة الشرقية هي عبارة عن إقليم برقة الذي يكرهه وكثيرا ما صب جام غضبه وسخطه على هذا الإقليم وأهله ، لا بل يكره أن يسمع لفظ هذا المُسمّى الجغرافي . وأوجد المنطقة الوسطى من خلال ضم كل من بن جوا والجفرة إلى سرت ، علما بأن الجفرة – أو قل مثلث الجفرة – هي في أصل الجغرافية الليبية جزء من إقليم فزان . والمنطقة الغربية تعني إقليم طرابلس الجغرافي المعروف .
عمد كذلك على طمس ُمسمّى جبل نفوسة المعروف عبر التاريخ بهكذا اسم ، فسمّاه الجبل الغربي ، وكأن هناك على الأراضي الليبية جبلا آخر شرقي أو جنوبي ! هدفه من وراء ذلك تغيير جغرافية ليبيا ومُسمّياتها التي سمّاها بها التاريخ ليس إلا . ولم يقف الأمر عند هذا الحد ، بل عَمِل على تغيير اسم خليج السدرة المعروف في أطلس الجغرافيا العالمية بهذا الاسم وسماه خليج سرت . كما غير اسم مدينة أزواره إلى النقاط الخمس، نسبة إلى خطابه المنحوس الذي ألقاه فيها عام 1973 م ، الذي قال فيه يجب أن يُرمى بالدستور والقوانين في سلّة المهملات ، مُعلنا بذلك بدء فوضويته الشعبية ، التي دمّرت البلاد والعباد .
كما غيّر اسم وادي الآجال في فزان إلى اسم وادي الحياة ، وغيّر اسم مدينة سبها إلى اسم الشرارة الأولى ، واسم مدينة بنغازي إلى اسم البيان الأول ، وتوكرة إلى العقورية ، وبطة إلى الدرسية ، وجردس العبيد إلى جردس الأحرار ، وقرية جردينة إلى الخضرة . ناهيك عن تغيير أسماء بعض المطارات ، وبعض الجامعات والمؤسسات التعليمية ، وبعض الشوارع ، وبعض الميادين ، وبعض المستشفيات ، وبعض الشركات والفنادق والمصارف ، جميعها تسميات فُرضت من لدُنه ؛ ظاهرها خبث وباطنها وجع مبين . وفوق كل هذا وذاك ، ألم يأتي بقطعة قماش خضراء غير محددة الأبعاد ليقول لنا هذا هو علم ليبيا !! والمضحك المبكى أنه عندما طلبت الأمم المتحدة من الخارجية الليبية تحديد أبعاد هذا العلم وأي درجة من درجات اللون الأخضر ، كي يوضع من بين الأعلام المرفوعة أمام مبنى الأمم المتحدة في نيويورك ، فلم تحصل على إجابة !!!
إن الغريب العجيب ، أننا لا نزال نجد من بيننا من يُصر – بعد ثورتنا المجيدة – على التمسك باستخدام هذه المسميات التي ما أنزل الله بها من سلطان ، بل هي مسميات أوجدها وفرضها الملازم معمر ، نجدهم يلوكون هذه المسميات بوعي أو دون وعي ؛ نرى ذلك في الإعلام عبر وسائله المختلفة ، ونلاحظه في التحادث والمناقشات الرسمية وغير الرسمية ، فهل وصل بنا الحال أن نستحي من تسمية أقاليمنا الجغرافية ومدننا العريقة بتسمياتها الجغرافية التي سمّاها بها التاريخ منذ آلاف السنين ، لا كما سمّاها وأرادها وفرضها بخبث الملازم معمر ؟ إنها دعوة إلى تصحيح ما أفسده وشوّهه حُكم الملازم ، ودعوة إلى ضرورة التأكيد على هويتنا الجغرافية والثقافية والتاريخية ، والتأكيد على ضرورة التمسك بجغرافية ليبيا الواحدة الموحدة كما سمّاها التاريخ ، وأن نحرص على أن يكون ذلك في مناهجنا التعليمية التي هي الأخرى لم تسلم من العبث خلال حكم الملازم ، كي نُعلّم أجيالنا التعليم الصحيح بحقيقة جغرافية وتاريخ ليبيا التي تسكن في قلوبنا ، ونعيش على أرضها الغالية .
“المنارة للإعلام” الليبية

اقرأ أيضا

المفتي العام للقدس يشيد بالدعم الذي يقدمه المغرب بقيادة الملك لدعم صمود الشعب الفلسطيني

أشاد المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، خطيب المسجد الأقصى المبارك، الشيخ محمد حسين، اليوم الأحد …

المنتدى المغربي الموريتاني يرسم مستقبل تطور العلاقات بين البلدين

أشاد المنتدى المغربي الموريتاني، باللقاء التاريخي بين الملك محمد السادس والرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ …

مكسيكو.. مشاركة مغربية في مؤتمر دولي حول حماية البيئة

شارك الأمين العام لحزب الخضر المغربي ورئيس أحزاب الخضر الأفارقة، محمد فارس، مؤخرا بمكسيكو، في مؤتمر دولي حول حماية البيئة.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *